يحتل التعليم مكانة عالية، وقيمة رفيعة المستوى في المجتمع الأردني، فنحن شعب متعلم، أو على الأقل نحب التعليم والتعلم!
ألسنا من باع الأرض، واستدان لتعليم أبنائه وبناته؟! ألسنا من دعاة التعليم للجميع، بل وأكثر من ذلك؟!
لقد عمل التعليم على تقليص الفوارق بين الطبقات، وصعود طبقة وسطى سيطرت على مختلف مفاصل السلطة!، فالوزراء، والنواب، والأعيان، والمديرون، وقادة التعليم بشكل خاص هم من هذه الفئات، إذ ليس في الأردن أرستقراطية سيدة، فالجد الأول لنا جميعًا فلاح، أو راعٍ.
وفي ظل هذا الوضع، يحق للأردني أن يطمئن على إدارة التعليم، ويميز بين الفكر التربوي، والخراريف التربوية!
(01)
طوّرنا المناهج، بل سنطورها
في تصريح لمسؤول تربوي هبط علينا من عَلٍ، يقول: سنطور المناهج على ضوء امتحان التوجيهي!!
تذكرت أيام الوعي التربوي عند إدارات المناهج الثلاث: ربا بطاينة، ومحمود المساد، وشيرين حامد وهؤلاء الثلاثة عملوا بجدّ على وضع المناهج، وتأليف الكتب ابتداءً من سنة 2019، وكان الجهد منصبّا على تطوير المناهج في ضوء منطلقات ومعايير تربوية منطقية:
حاجات الطلبة، وحاجات التنمية، وحاجات المجتمع!
اكتملت المناهج، وبدأ إكمال الكتب حتى شارفنا على الانتهاء!
لنفاجأ بتصريح يقول: نريد تطوير المناهج على ضوء امتحان التوجيهي!!!
تخيلوا أن التوجيهي متغير ثابت أساس، وأن المناهج هي متغير تابع يلهث وراء التوجيهي، وليس العكس! إنه زمن عجيب، ندور كما يدور الامتحان!!
والمشكلة يا أصدقاء، أننا أنتجنا الكتب منذ سنتين، وما زلنا، والتوجيهي مُقَرّ من سنتين! وها نحن نعيد"تقييف" المناهج بلغة الخياطين لتناسب التوجيهي!
لقد ذكّرنا مسؤولو المناهج بسرير بركرست، أو البروكرستية!
فما قصة هذا؟
(02)
البروكرست
بروكرست حداد يوناني كما تقول الأسطورة، يمتلك سريرًا حديديّا، كان يستضيف الغرباء؛ ليناموا في السرير، فكان "يقيّف" الضيف على قدر السرير، فيقص رجليه إذا كان طويلًا، و"يُفكفِك" مفاصله إذا كان قصيرًا، ليصبح بحجم السرير!!
هكذا نفعل نحن كما فعل الحداد، نقصّ الضيوف بدلًا من تكييف السرير!
هذه ليست ملهاة، بل مأساة تشيع في إداراتنا، نجعل الثابت متحولًا والمتحول ثابتًا! نعظّم التوجيهي ونعبث بما سواه!
وسيُكافأ مَن يعمل على تطوير المناهج وفق معايير التوجيهي!
فالسلطة الآن للامتحان، ولا صوت يعلو على صوت التوجيهي!
التوجيهي شرف الوطن!
نعود إلى البروكرستية، فنقول: إنها إدارة فرض القرارات بالقصّ، والفكفكة، والحكومة أفهم منا جميعًا. والأردني يعرف أن شخصية كل مسؤول بداخلها الحداد"بروكرست"!
(03)
أيهما أقوى المسؤول، أم"السيستم"؟
ما أن يُعيّن المسؤول في عمله-وغالبًا لا يمتلك كثيرون رؤية لما سيفعلون- حتى يبدأ يغرق في ثقافة المؤسسة، وتتعطل قدرته على التطوير، فينخرط في روتين العمل، بل ويتباهى به!
وأقدّم هنا نموذجين اثنين، لا شخصين:
الأول، عُيّن رئيس جامعة خاصة، فانتقد أصحابها؛ لأنهم شرحوا له مزاياها وقالوا: عندنا ستون باصًا!
ولم يحدثوه عن مؤهلات الهيئة التدريسية.
وبعد شهرين تحدث عن إنجازاته بوصفه رئيسا وقال: تمكنت من زيادة عدد الباصات إلى خمسة وسبعين باصًا!!! انسجم مع حساب القرايا على حساب السرايا!!
والآخر، مدير مؤسسة تربوية حديثة، يتمتع بعقلية باحث نقدي، وسمعة تربوية محترمة!
عرضنا عليه نصّا من إنتاج مؤسسته، يميز فيه بين الأردنيين ويقول النص: يتمتع الأردني بلسان سليم، بالرغم من وجود فئات مثل….،……،…..،
كان رأيه لم أجد في النص ما يسيء لأحد!!
يعني غرق في روتين المؤسسة! فالنظام أقوى من الفرد!
يزع بالروتين ما لا يزع بالتفكير.
إنهم بروكرستيون وغارقون.
فهمت عليّ جنابك؟!!