مستقبل الأردن هو هدف سامٍ يتشاركه جميع أبنائه، ليس مجرد شعار أو رؤية بعيدة، بل واقع يتشكل بجهود كل فرد في المجتمع. استشراف هذا المستقبل لا يُعد مسؤولية حكومية أو قطاعية مثل مجلس النواب فقط، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب من الجميع، سواء من خلال الأفكار الريادية أو الاستراتيجيات المبتكرة، أو بتحمل المسؤولية المجتمعية تجاه الوطن. الأردن يواجه تحديات عديدة، بعضها ظاهر وحاضر، والبعض الآخر قد يظهر في المستقبل القريب أو البعيد، وهذه التحديات تستدعي منا جميعاً أن نكون مستعدين لمواجهتها، وأن نتجاوزها بحكمة ورؤية ثاقبة.

في علم استشراف المستقبل، يتم البحث عن التحديات والفرص ذات "الإشارات الضعيفة" التي قد تكون إما "مشاكل شريرة" أو "فرص عظيمة". فالمستقبل لا ينتظر حتى يصبح حاضراً؛ وإذا أردنا الاستعداد له وأن نكون جاهزين، فمن واجبنا استشرافه ووضع السيناريوهات اللازمة للتعامل معه.

لا شك أن التحديات الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية، وغيرها، تمثل بعضاً من أبرز الملفات التي تواجه الأردن. ومع ذلك، وكما يقولون، التحديات تخلق الفرص، وهي بوابة لصناعة مستقبل أكثر استدامة واستقراراً. من خلال استراتيجيات استباقية ومبتكرة تركز على تنمية الطاقات البشرية وتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة، يمكن للأردن أن يتجاوز هذه الصعاب ويصنع مستقبلاً أفضل.

النجاح في تحقيق مستقبل مشرق للأردن لا يقتصر على مواجهة تحديات الحاضر فحسب، بل يعتمد بشكل أساسي على القدرة على استشراف المستقبل واستباقه. يتطلب ذلك منا جميعاً، كمجتمع ومؤسسات، تطوير أدواتنا وإمكاناتنا في مجال التخطيط المستقبلي، والتكيف السريع مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، سواء في مجال التكنولوجيا، الاقتصاد، أو السياسة. فالعالم اليوم يتبنى منهجيات الرشاقة على مستوى الحكومات وفي مختلف المجالات، مما يعني أن القدرة على التكيف السريع والمرونة في اتخاذ القرارات أصبحت عاملاً حاسماً في ضمان تحقيق التقدم والنمو المستدام.

مستقبل الأردن ليس مسؤولية الحكومة وحدها؛ بل هو ثمرة تعاون جميع القطاعات ومد الجسور بين القطاع الحكومي والخاص، ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى بناء شراكات خارجية مع الدول الصديقة. ولا يقل أهمية عن ذلك التعاون الداخلي بين القطاعات الحكومية المختلفة لتقديم خدمات نوعية للمواطنين والمتعاملين، والعمل على تصفير البيروقراطية في تقديم هذه الخدمات. علينا أن نكون متحدين في رؤيتنا للمستقبل، وأن نؤمن بأن لكل فرد دوره الحيوي في تحقيق هذا الهدف السامي.

بتصميم مشترك واستباق التحديات، سنتمكن من بناء مستقبل الأردن. بهذه الروح، يمكن للأردن أن يواجه المستقبل بثقة، وأن يصبح نموذجاً للاستقرار والازدهار في منطقة تتسم بالتحديات المستمرة.