استمرار التغطية وصناعة المستقبل
د.مهند مبيضين
12-05-2011 05:10 AM
شق الباحث ميشال دو سرتو (Michel de Certeau)، في كتابه المعنون "فنون الأداء.. اختراع اليومي"، العام 1980، الطريق لحل الإشكالية المتعلقة بالاستخدامات المباشرة للوسائل السمعية والبصرية وتلقيها. وصادقت أفكار سرتو على فكرة مفادها أن السلطة غير موجودة في عمليات الوسيط الإعلامي، أو أنها في طريقها إلى التلاشي.
ولعل الراهن الإعلامي العربي بما يضخ يوميا على المشاهد يجعل من الضروري إعادة التفكير بالكيفية ومشهد البث والتغطية التي آل إليها واقع الإعلام العربي في شكلية التعاطي مع أحداث الراهن، وهي كيفية لم تتغير كثيرا عن الشكل الذي بدأت به التغطية الإعلامية قبل نحو عقدين من الزمن مع أن الشارع العربي تغير اليوم كثيرا.
والكتابة هنا لا تتوسل التوصيف، بقدر ما تحاول التفسير والبدايات والتحولات. ففي العام 1980 انعقد مؤتمر دولي لمنظمة "اليونسكو" في براغ للبحث في واقع الإعلام، وصدر عنه تقرير حمل عنوان: "أصوات كثيرة في عالم واحد". وقد ترجم هذا التقرير إلى جميع لغات العالم. يومها عبرت رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي، عن الحاجة إلى إعلام مفتوح خال من هيمنة تدفق الأنباء عبر وكالات أسوشيتد برس وإنترناشونال ووكالة الصحافة الفرنسية ورويترز، التي كانت تتمتع بممارسة التحكم الاحتكاري في تدفق الأنباء على البلدان النامية، ومما قالت غاندي: "نريد أن نسمع الأفارقة وهم يتحدثون عن الأحداث الجارية في أفريقيا، ولا بد أن تكونوا بالمثل قادرين على سماع تفسير هندي للأحداث الجارية في الهند. من المدهش أننا لا نعرف إلا القليل جدا عن كبار الشعراء والروائيين والمؤرخين والكتاب المنتمين إلى بلدان آسيوية وأفريقية وأميركية لاتينية.. في حين أننا نسمع عن أسماء ثانوية كثيرة في كل من أميركا وأوروبا".
بدأ الجدل طريقه لتحرير الإعلام من هيمنة الدولة نهاية الثمانينيات، وجاءت نهاية ذاك العقد بمقولة "تغطية العالم" حسب رأي لويس فريدلاند (Lewis Friedland). ففي تلك السنوات شهد العالم حدثين ضخمين جعلا فضائية مثل "سي. أن. أن" (CNN) في مستوى العالمية، آنذاك نجحت "سي. أن. أن" في توسيع دائرة الأخبار العالمية.
كان الحدث الأول هو مذبحة ساحة تيانامين (مع صعود الحركة المؤيدة للديمقراطية في الصين العام 1989)، وبالفعل شكل ربيع مذبحة ساحة تيانامين منعطفا في مسيرة تطور نظام الأخبار العالمي. كانت الرسالة التي قدمتها "سي. أن. أن" هي الأهم من قبل التلفزيون الفضائي العالمي، وجاء التأثير على ثلاثة مستويات: داخل الحدود القومية، وعبر المنظومة الدبلوماسية العالمية، وعلى صعيد الرأي العالمي.
الحدث الثاني هو حرب الخليج الثانية العام 1991، ما وضع المحطة ذاتها في مقدمة وسائل الإعلام، وزاد من الضغط على لاعبين آخرين لدفعهم للدخول في منافسة إخبارية، إذ سلطت حرب الخليج الثانية الضوء على نقاط قوة التلفزة الدولية، باعتبارها أداة دبلوماسية.
تركت تلك الأحداث آثارها على الحالة العربية، بدخول الإعلام العربي حقبة جديدة في ظل تغيرات دولية. وأمام هذا الواقع أسست محطات رسمية بتمويل مستقل، مثل "أم. بي. سي"، ومن بعدُ "الجزيرة"، ثم "العربية". ولعل هذا التوجه هو الذي ساهم بحلحلة الركود في المشهد العربي وهو ما قاد للتغيير الإيجابي فيما بعد، الأمر الذي وسع هوامش الحرية العربية التي صنعها الإعلام عبر تغطيته المباشرة وغير القابلة للاختراق أو التأثير.
(الغد)