هذه ذخيرتنا أيتها الحكومة الرشيدة
د. هند ابو الشعر
11-05-2011 07:02 PM
تثار هذه الأيام مسألة استملاك الأراضي، وتعويض المواطنين الذين استملكت أراضيهم بالربع القانوني، وتفاوت تطبيق القانون ما بين مناطق المملكة، وهذا الملف الذي طال مجموعة واسعة من المواطنين ممن تصادف أن وقعت أراضيهم في مخطط الطريق الدائري ملف شائك لكنه لا يقبل التأجيل أو التهميش، فمع أنه محصور في فئة محددة من المتضررين، إلا أنه يطرح مسألة كبيرة، ألا وهي (الربع القانوني) الذي اعتادت أن تفرضه الحكومات على الأفراد عندما تقرر فجأة إنجاز مشروع ما، ليجد المواطن نفسه بلا أرض.. وإذا اعترض كان الرد غير المقنع على اعتراضه، تعويضه بالربع القانوني...!.
ربما كنت من بين القلة الذين يتابعون موضوع ملكية الأرض في الأردن بالدراسة، بدءا بالفتح العثماني.. فقد رجعت للسجلات العثمانية، وأعرف على أقل تقدير تاريخ قطع الأراضي منذ عام 1876م.. أعرف الأراضي التي رهنها الناس والأراضي التي انتقلت من الآباء إلى الأبناء، لذا فإن استملاك الدولة للأرض التي ورثها الأردني عن جد جده، والتي يخطط أن يتركها أيضا ذخيرة للأبناء والأحفاد، مسألة تشبه اقتطاع عضو من الجسد، ومع أن مواطنتنا عميقة وراسخة، ومع أننا نعرف أن ما يتم استملاكه (للمنفعة العامة) وأن للدولة علينا حق، لكن علينا أيضا حقنا على الدولة، ونسأل فقط بهدوء، هل يشكل تعويض الدولة للمواطن على حساب (الربع القانوني) حلا عادلا ترضاه الدولة لمواطنها...؟.
- من قال بأن الربع القانوني الجائر الذي يناسب العشرينيات من القرن العشرين مقبول في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين..؟ ألم تنقلب المعايير رأسا على عقب..؟. - هل المعايير التي افترضها المشرع آنذاك قائمة اليوم...؟ وهل ما وضعه المشرع قانون منزل لا سبيل لتعديله...؟ ألا يخدم القانون الناس ويتم تعديله وفقا للظروف حتى لا يظل مثل السيف المصلت على الرقاب..؟.
- نقول بأن الكيل بمكيالين غير مقبول حتى في نطاق الأسرة الواحدة والعدل أساس الملك، ونعتبر هذه قواعد ذهبية في إطار الدولة العصرية العادلة، ونحن وبحمد الله نتمتع بدولة عصرية ولها مؤسساتها وأنظمتها، لذا فإننا نستغرب أن تكيل الدولة بمكيالين، فتعوض أهالي العاصمة عن أراضيهم تعويضا تاما وتفرض لغيرهم (الربع القانوني) طيب الذكر..؟ عندها يحق لنا أن نقول وبالفم الملآن بأن خسارتنا لشبر واحد يجب أن يجد ما يبرره، وأن يقتنع المالك الذي فقد دونمات من أرضه بأن الدولة عادلة في تعويضها.
- من يقنعنا أن هذا الجيل قادر على شراء أرض في ظل هذه المتغيرات..؟ كلنا أصحاب وظائف ودخل محدود، وخسارتنا لا تعوض.. لا شيء يعوض خسارة الأرض.. لا شيء أبدا.
أقول وبالفم الملآن بأن تعويض أصحاب الأراضي المستملكة للمنفعة العامة يجب أن يأخذ بالحسبان أن خسارة الأرض بعني خسارة الذخيرة للأسر التي احتفظت بها لأجيال، وأن الأراضي الزراعية المستملكة حول إربد مثلا من أخصب أراضي المملكة، وأن ما تم اقتطاعه ترك لأصحابه قطعا خاسرة وهو ما لم يأخذه القرار بالحسبان، فعلاوة على خسارة المواطن ثلاثة أرباع الأرض التي يملكها ولا تعوضه الدولة عنه، فإنه يخسر أيضا قيمة ما تبقى له، فلماذا تعوضنا الحكومة نحن الذين خسرنا أراضينا الزراعية بالربع القانوني..؟ ومن سيعوض خسارتنا لباقي الأرض التي تم اجتزاء أجزاء منها وتقطيعها حسب مسار الطريق الدائري..؟.
وأقول أخيرا بأننا لا نريد أن نخسر مشاعر شباب وأطفال العائلات الذين تم استملاك أراضيهم وتم تعويضهم (بالربع القانوني) هؤلاء سيحسون دائما بالظلم والخسارة الأبدية لذخيرة الأجداد.. فيا حكومتنا الرشيدة، ليفتح ملف الربع القانوني فهو ليس بالقانون المنزل، و لا شيء يعوض عن فقدان الأرض في هذا الزمن الصعب.. ووطننا الغالي نحبه ولا نحتج ولا نعتصم.. لكن خسارتنا كبيرة والربع القانوني جائر وجائر وجائر...! وأقول نحن نحب أراضينا التي تركها لنا أجداد الأجداد، هم لم يبيعوها واعتبروها مثل العرض وتركوها لنا نحن أحفادهم، ونحن لم نفكر ببيع الأرض أيضا لأنها الذخيرة، أما إذا صدر قرار حكومي (ولا راد لقضاء الله) فإن تعوبضنا عن أراضينا يجب أن يكون عادلا أمام الله، والربع القانوني جائر أمام الله.. وننتظر ونحن نقبض على تراب الوطن والذي سننام كلنا في أحضانه.. ننتظر العدل ولا شيء يعوضنا عن خسارة أراضي أجدادنا، والسلام.
(الدستور)