facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




ثقافة الحوار


د.سالم الدهام
04-09-2024 07:33 AM

ثمة أشياء كثيرة نمر بها كل يوم، نظن أننا نتقنها، ونتوهم أننا ندرك أهميتها، نبسط الحديث فيها، ونبرهن على دورها العميق في صياغة مشهدية التواصل البشري بشكل ناجع، نبحث عما يؤيد ذلك في تراثنا الأدبي والديني والفلسفي، في المدونات المحلية والعالمية، لكن الكثيرين ممن يزعمون أنهم حِواريون يخفقون عندما يمارسون التواصل مع الآخرين، سواء أكان ذلك على المستوى الثنائي، أو الجماعي، في الشؤون الشخصية والاجتماعية التي تجري في البيوت بين أفراد العائلة الصغيرة، أو خارج البيوت في العائلات الممتدة، أو في الشؤون العامة، في العمل بين الرؤساء والمرؤوسين، أو بين المرؤوسين أنفسهم، في الأحزاب، وبين الدول، والأحلاف الكبيرة ... كثيرون لا يرضخون لمنطق الحوار عندما لا يجلب لهم الحوار النتيجة التي يسعون إليها، إنه انقلاب على فلسفة الحوار، وتجريدها من مضمونها الموضوعي لتصبح مجرد طبقة هلامية رقيقة محشوة بالنفعية والمصلحة الضيقة المقيتة، والرغبة في الاستبداد والسيطرة المطلقة.

إنه خلل بنيوي عميق لمفهوم الحوار ووظيفته ودوره في انسياب الرؤى والأفكار، ومن ثم تحدرها من منابعها العلية لتستقر في السهول والمناطق المستوية من جغرافيا الفكر الإنساني كما يستقر البحر؛ فهو يبتلع في أعماقه الجبال والأشجار والصخور والمنحدرات والشعب المرجانية ليصنع فوق كل ذلك صفحة مستوية كميزان الزئبق الذي يستخدمه البناؤون، معيارا في الاستقامة، وحدا يطرح كل ميل واعوجاج في قيعانه العميقة.

ولعل مما يصعب على المرء فهمه أن بعضا ممن يبرعون في الترويج لمنطق الحوار، ويجتهدون في طرح منهجياته، وابتكار أدواته ليصبح جذرا سلوكيا ومسلكا فكريا حياتيا راسخا يصادرون الحوار في أدق مفاصلة، وفي أكثر الأوقات حاجة إليه، و في أكثر المواقع إلحاحا على وجوده... ليس ثمة تفسير لذلك إلا أننا بحاجة إلى منهج يعظم بناء روابط وثيقة بين الوعي والإيمان؛ الإيمان بمعناه الشمولي العميق الذي يجسد حالة من إذعان الإنسان لوعيه وفكره؛ حالة لا تتناقض بين سره وجهره، بين أن يكون هو من يطلب الحق، أو من يطلب منه الحق، قاضيا أو متقاضيا، رئيسا أو مرؤوسا، غالبا أو مغلوبا، عندما يكون راضيا بما يهديه إليه فكره في الموقف الواحد وعلى جميع الوجوه السابقة، عندئذ يكون شخصا عادلا، وعندما يكون كذلك ، فإن عقله هو الذي يتكلم لا لسانه، عندها يكون شخصا جديرا بالحوار، محققا لشروطه.

أما أولئك الذين يتخذون الحوار وسيلة للهروب إلى الخلف تارة وإلى الأمام تارة أخرى، ليرهقوا به الطرف الآخر، يقفزون فوق الأحداث، يهدرون الوقت، ويتلاعبون بالألفاظ ،يرفضون الاستسلام للحجة والمنطق، يفرون إلى الصراخ عندما تعوزهم الأفكار، أولئك هم المفلسون، إنهم يأنفون من الانصياع للحق، ويصرون على الانتصار في كل جولة، ما أحوج هؤلاء إلى أن يتعلموا ثقافة الحوار! وما أحوج مدارسنا وجامعاتنا إلى أن تخصص مواد إجبارية لتدريس المنطق، ومعه فن الحوار وأسلوب الحجاج ، وقبل ذلك كله الإيمان بالحق، حيث كان وبيد كائن من كان، وعدم الأنفة من الانصياع له في كل زمان ومكان..

نحتاج جميعا للتدرب على الحوار الذي يؤمن أطرافه فعلا لا قولا بالتعددية، والاختلاف على المنهج والأسلوب لا على الغايات والقيم العليا المؤسسة لوجودنا على هذه الأرض.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :