شلل المنظومة الدولية وآثاره الخطيرة .. الهيمنة الأحادية وقوة الدول الكبرى
سامي شريم
03-09-2024 10:41 PM
عمون - شهد العالم في العقود الأخيرة تحولًا كبيرًا في موازين القوى الدولية، حيث أصبحت المنظومة الدولية التي أُسست بعد الحرب العالمية الثانية عاجزة بشكل متزايد أمام قوة بعض الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. هذه الدول استخدمت تلك المؤسسات التي كان من المفترض أن تكون حصنًا للعدالة الدولية كأداة لتحقيق أجنداتها الخاصة مما أدى إلى إضعاف هذه المؤسسات وتهميش دورها الفعلي.
وجاءت هيمنة الدول الكبرى على المنظومة الدولية منذ إنشاء الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية حيث كانت الفكرة الأساسية من وراء هذه المؤسسات هي الحفاظ على السلام والأمن الدوليين وتوفير منبر للمجتمع الدولي لحل النزاعات بطرق سلمية ولكن ماحدث يشير إلى أن هذه المؤسسات أصبحت رهينة لرغبات الدول الكبرى حيث تُستخدم لصالح تمرير سياسات تلك الدول وفرض نفوذها وهيمنتها على العالم.
لقد تمكنت الولايات المتحدة بصفتها الدولة الأكثر نفوذًا على هذه المؤسسات من تطويع هذه المنظمات لتكون أداة لتنفيذ أجنداتها السياسية والاقتصادية مستخدمة الفيتو كوسيلة للضغط والابتزاز وهذا أدى إلى تهميش أصوات الدول الأخرى خصوصًا الدول الصغيرة التي أصبحت عاجزة أمام هذه القوى الجبارة.
مما رتب عواقب كارثية ل لهذه السياسات الأحادي وادى الى شلل هذه المنظومة الدولية ورتب عواقب وخيمة على الصعيد العالمي وعز عدم قدرة هذه المؤسسات على اتخاذ قرارات مستقلة وعادلة يضع العالم على حافة الفوضى. فمثلاً، الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن أصبح سيفًا مسلطًا على أي محاولة لاتخاذ قرارات تتعارض مع مصالحها وأو مصالح حلفائها حتى وإن كان الثمن هو أرواح الأبرياء.
في العديد من النزاعات، كانت هناك محاولات من قبل المجتمع الدولي للتدخل ووقف العنف وحماية المدنيين، ولكن تدخل الولايات المتحدة عبر استخدام الفيتو أفشل هذه المحاولات ما أدى إلى استمرار العنف وسقوط مزيد من الضحايا. وقد شهد العالم في العقدين الأخيرين أمثلة مؤلمة على ذلك في العراق وسوريا وفلسطين، حيث كانت دماء الأطفال والنساء والشيوخ هي الثمن لهذه السياسات القمعية التى شكلت تهديدات خطيرة للسلام والأمن في أنحاء العالم.
إن استمرار شلل المنظومة الدولية يهدد باندلاع نزاعات جديدة، إذ أن عدم وجود آلية فعالة لحل النزاعات يعزز من فرص تصاعد الأزمات إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها. كما أن هذا الشلل يدفع الدول الصغيرة إلى الشعور بعدم الأمان، مما قد يدفعها إلى البحث عن تحالفات غير مستقرة أو التورط في سباق تسلح قد يؤدي إلى تفاقم الوضع العالمي.
إضافةً إلى ذلك، فإن هذا الوضع ساهم في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب حيث أن الدول الكبرى وحليفاتها قادرة على ارتكاب انتهاكات دون أي خوف من المحاسبة مما يشجع دولًا أخرى على تبني نفس النهج الأمر الذي ادي إلى تقويض القانون الدولي وزعزعة الاستقرار العالمي.
وانعكست تداعياته على الدول الصغيرة والكبيرة على حد سواء فليست الدول الصغيرة وحدها التي تتأثر بشلل المنظومة الدولية بل حتى الدول الكبرى تواجه تداعيات سلبية من جراء هذا الوضع. فالعالم مترابط بشكل لا يمكن فيه لدولة واحدة أن تعيش بمعزل عن الدول الأخرى فشل المنظومة الدولية يعني أن الجميع سيدفع سواء من خلال فقدان مصداقية أو من خلال الانخراط في نزاعات لا نهاية لها.
إن الدول الكبرى التي تسيطر على هذه المؤسسات قد تعتقد أنها تستطيع الاستمرار في استخدام القوة لفرض أجنداتها ولكن على المدى الطويل هذا النهج سيؤدي إلى تفاقم الفوضى العالمية.
فالتاريخ يشهد على أن الإمبراطوريات التي سعت إلى السيطرة على العالم باستخدام القوة قد انهارت في النهاية، وجرّت معها العالم إلى حروب وكوارث لا نهاية لها ولا زال العالم يعاني من ويلاتها.
الحاجة لإصلاحات جذرية أصبح ضرورة حيث إن الوضع الحالي للمنظومة الدولية يتطلب إصلاحات جذرية تعيد لهذه المؤسسات دورها الفعلي كحامية للسلام والعدالة في العالم. لابد من تعزيز الشفافية والمساءلة داخل هذه المؤسسات لضمان عملها لصالح المجتمع الدولي بأسره وليس لخدمة مصالح بعض الدول الكبرى فقط إن العالم اليوم في حاجة ماسة إلى نظام عالمي جديد يقوم على التعددية والعدالة والمساواة نظام يعترف بحقوق الدول الصغيرة كما الكبيرة ويضمن أن يكون لكل دولة صوت مسموع في القضايا التي تهم البشرية جمعاء. بدون هذه الإصلاحات سنظل نعيش في عالم مضطرب، حيث القوي يأكل الضعيف، وحيث تصبح الفوضى هي السمة الغالبة على العلاقات.