أولادنا وبناتنا عطايا الرب.. بركات البيوت.. عناوين خصب الوجود.. زينة الأيام.. دفء الليالي المُسْرَجات بتعبِ الأيام، وسهر العناية، ومواعيد قياس الحرارة.
يكبرون تحت أعيننا (كل شبر بنذر)، وحين يحقّقون بعض أمانيهم وأمانينا يُفرِحون قلوبنا، فهم وحدهم من نحب أن يكونوا أفضل حظًّا منّا حين يتعلّق الأمر بفرصِ حياة أكثر سعةٍ ورفاه، وأعلى درجات علمية، وأوفى كرمًا وكرامة وبهاء ورضًا ومسرّاتٍ ومباهج.
نفعل كل ذلك لأولادنا ولسان حالنا يردّد قول الشاعر أمية بن أبي الصلت: "غذوتك مولودًا وعلتك يافعًا * تعلُ بما أدني إليك وتنهلُ/ إذا ليلة نابتك بالشكو لم أبت * لشكواك إلّا ساهرًا أتململُ".
أمّا الابنُ البِكْرُ فهو الفرحة الأولى لوالديه؛ الرزق الطيّب الذي يهبه الله تعالى لهما.. يحدبان عليه، يحيطانه بكل رعاية وعناية وحبور، مؤمّلانِ أن يفرش دروبهما بالسعادة والرضا. وهو، إلى ذلك، مقياس نجاحٍ حسّاس حول قدراتهما التربوية والتوجيهية والإرشادية والأبوية، ولهذا يحرصان أن يتجلّى هذا المقياس بوصفه دليلَ نجاح، ومسبارَ مستقبلٍ أفضل.
هذا لا يعني أن يحظى بالاهتمام كلّه والأبوة جميعها، ولا يبقي لأشقائه وشقيقاته ما يستحقه أفراد الأسرة جميعها من الحرص والحدب والوقت وتلبية المطالب وتأمين سُبل حياة لائقة عادلة منصفة، بل يعني أن نُبقيه مدركًا قيمته بين باقي أفراد الأسرة، وأن نؤهله لمسؤلياتٍ جِسامٍ يرتقي فيها، حين يصبح جاهزًا، لأن يكون أبًا ثانيًا في بيت المودّة، و(يشيل) عن والديه (كتفًا) من شؤون التربية وشجونها، وأن يتجسّد بوصفه قدوةً حسنةً لإخوتهِ الأصغر منه.
واليوم، ونحن نفخر بك يا ولدي توفيق، وبإنهائك متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم الزراعية، فإن تلك اللحظة الغالية على قلوبنا جميعنا، حرّضتني لأن أتأمّل كل هذه المعاني حول الابن البكر وقيمته في بيوت الناس وفي دروبهم نحو تحقيق أحلامهم في الحياة، ونيل أمانيهم، ووصولهم إلى قطف ثمار جهدهم وكدّهم وسهر الليالي.
اليوم نحن جميعنا معك في فرحتك، وفي نجاحك ببلوغ بعض تطلعاتك، ووضع يدك على بعض مساعيك. ونحن جميعنا نبارك لك، ونفرح فيك، ونفرح لك، ونفرح من أجلك، ونزهو ونفخر ونصعد بك وتصعد بنا نحو أعالي المجد وأبهى معاني السموّ المزدهي بالعلم ودرجاته وعلوّ كعبه فكما قال الشاعر "الناس اثنان ذو علم ومستمع/ واع وسائرهم كاللغو والعكرِ"، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وحين يرفع الله الناس عن بعضهم البعض درجات، فإن العلم هو أوفى أسناد هذا الرفع، وهذا التمايز، وهذا الاستحقاق.
فها أنت قد عرفت يا ولدي كرامات العلم ومفاخره وزَهْو الإحاطة به فالزم ما عرفت، وذُد عن أوطانك بما حصّلته من علوم الحياة، ومعارف الأرض، واغرس فسائلك لا تؤخرها ولا تؤجلها، فرسولنا الحبيب ﷺ يقول "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلةً فليغرسها فله بذلك أجر".
ها قد هلّ طيبك يا ولدي الحبيب الغالي، فألف مبارك نَفْحَ طيبٍ زكيٍّ عفيٍّ عميم، واعلم يا فلذة كبدي أن لا طيب يسعد قلوب الآباء مثل طيب الأبناء، وفي المقدمة منهم جميعهم طيب الابن البكر المشعّ ببعض سماتنا وملامحنا، الحامل جلّ آمالنا، المنتظر أن يخفف عنّا بعض آلامِ العُمْر ووعَثاء الدروب.