التصنيفات الجامعية .. النظر بعين أخرى
د. أشرف الراعي
03-09-2024 12:25 PM
بعيداً عن الانتقادات التي تواجه التصنيفات العالمية لبعض الجامعات أحياناً وما يثار هنا وهناك حول أهمية هذه الخطوة وضروريتها؛ إلا أن تصنيفات الجامعات تشكل أحد أهم المعايير التي يعتمد عليها الطلبة وأولياء الأمور في اختيار المؤسسات التعليمية المناسبة، وهي أيضاً أداة فعالة للحكومات – بصورة عامة - لتعزيز سمعة جامعاتها على الساحة الدولية، لكن السؤال الذي يثور في هذ الإطار، ما الذي تعنيه هذه التصنيفات بالفعل؟ وهل تعكس حقاً جودة التعليم والبحث العلمي الذي تقدمه الجامعات؟.
وبالطبع، إن الإجابة تكمن في الفهم العميق لدور التصنيفات في توجيه وتحفيز الجامعات نحو التميز الأكاديمي؛ ففي السنوات الأخيرة، شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى التنافس بين الجامعات العالمية لتحسين مواقعها في التصنيفات الدولية، وهذا التنافس لم يأتِ عبثاً، بل هو نتاج جهود متكاملة لتحسين البنية التحتية، وتعزيز جودة الأبحاث العلمية، وجذب أفضل الكفاءات الأكاديمية.
كما أن هذه الجهود ليست فقط مجرد سباق نحو الصدارة، بل هي سعي حثيث لتحسين جودة التعليم، وزيادة الاهتمام بالطلبة، وتعميق الأثر الإيجابي على المجتمع؛ فمثلاً معايير تصنيف QS لا تقتصر على البحث العلمي فقط، بل تشمل أيضاً السمعة الأكاديمية، السمعة التوظيفية، ونسبة الطلبة إلى أعضاء هيئة التدريس، مما يسهم في خلق بيئة تعليمية تركز على الطالب وتراعي احتياجاته، وهو ما يجب أن تنظر إليه جامعاتنا بعين الاعتبار.
كما أن الجامعات التي تركز على البحث العلمي كمحور رئيسي ضمن معايير التصنيف، لا تقوم فقط بزيادة عدد الأبحاث، بل تسعى لإنتاج أبحاث نوعية تسهم في حل التحديات المجتمعية والعالمية، وهذا النهج يعزز من دور الجامعة كمركز للإبداع والابتكار، ويؤكد على أهمية الأثر الفعلي للأبحاث في تحسين حياة الناس وتحقيق التنمية المستدامة، ومن هنا يتضح أن الجامعات التي تحقق مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية، هي تلك التي تنجح في تحقيق التوازن بين البحث العلمي المتقدم والتعليم عالي الجودة، مع الالتزام بخدمة المجتمع المحلي والعالمي.
وهنا فليسمح لي القارئ الكريم على أن أضرب مثالاً على ذلك؛ فالجامعة الأردنية تمثل اليوم نموذجاً حياً على هذا التوازن الفعّال؛ حيث تمكنت من الوصول إلى مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية، مثل احتلالها المرتبة 368 في تصنيف QS العالمي، وهذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل هو نتيجة لسياسات أكاديمية رائدة تركز على تقديم تعليم متميز، ودعم البحث العلمي الذي يسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وليس هذا فحسب، لا بل خصصت الجامعة نائباً للرئيس لمتابعة التصنيفات العالمية وهو أمر يسهم في وضع الجامعة في مركز الصدارة وجهد يقدر نتمنى من جامعتنا الوطنية الأخرى أن تحذو حذوه، لا بل إن الجامعة الأردنية تسعى دائماً إلى تعزيز توجهها الدولي من خلال شراكات استراتيجية مع جامعات مرموقة حول العالم، مما يوفر لطلابها وأساتذتها فرصاً فريدة للتبادل الثقافي والعلمي، ويعزز من تجربتهم التعليمية.
ومن وجهة نظر شخصية – يمكن أن يختلف معها العاملون في القطاع الأكاديمي - فإن التصنيفات الجامعية هي أداة مهمة توفر نظرة شاملة عن مستوى الجامعات، لكنها لا يجب أن تكون العامل الوحيد في اتخاذ القرارات الأكاديمية؛ فالطالب الواعي وأولياء الأمور المثقفون يجب أن ينظروا إلى عوامل أخرى مكملة، مثل تخصص الجامعة، بيئتها الأكاديمية، توجهاتها الثقافية والاجتماعية، ومدى ملاءمتها لاحتياجاتهم الشخصية والمهنية، مع السعي المستمر من الجامعات لتطوير موقعها على سلم التصنيفات العالمية.
ففي نهاية المطاف، تصنيفات الجامعات ليست مجرد أرقام أو مواقع على سلم الترتيب، بل هي وسيلة لتحفيز الجامعات على تحقيق تميز أكاديمي شامل يخدم الطلاب، ويرتقي بالمجتمع، ويدفع بعجلة التنمية المستدامة، والجامعات كانت وما زالت مراكز للنور والمعرفة، تصنع المستقبل وتؤثر بشكل عميق في حياة الناس والمجتمعات، وهذا هو ما ينبغي أن نسعى لتحقيقه من خلال الاهتمام بتصنيفات الجامعات واستخدامها كأداة للتطوير والتقدم... لا انتقادها فقط لمجرد الانتقاد.