نقابة الأطباء تنفذ إضرابا لأطباء القطاع العام منذ أسابيع للمطالبة بنظام خاص لرواتبهم، ونقابات أخرى تطالب بتحسين رواتب منتسبيها في الحكومة وتهدد بالتصعيد. وكل هذا أمر مشروع ومتوقع، لكن على النقابات وغيرها أيضا أن تتوقف عند واقع منتسبيها، بل كل العاملين في القطاع الخاص. فهل الأطباء أوالمهندسون والصيادلة والمهندسون الزراعيون والممرضون العاملون في القطاع الخاص يحصلون على رواتب عالية وأكبر، ويعملون في ظروف عمل منصفة وعادلة من دون استغلال لحاجتهم في العمل، ويلقون المعاملة الوظيفية التي تتناسب مع تحصيلهم وتكلفة دراستهم؟
ما أقوله لا يعني عدم المطالبة بإنصاف أبناء القطاع العام، لكن حتى نتعامل بمنطق الشمول وليس بطريقة سياسية، فإن واجب النقابات أن تعمل أيضا على امتلاك دراسة لكل الشركات والمؤسسات الصغيرة والكبيرة، وماذا تعطي من رواتب لمنتسبيها حتى تنصفهم. فقد تجد خريج كلية صيدلة يعمل في صيدلية براتب غير مناسب، فمن ينصفه هو وأمثاله ويتابع كل التفاصيل؟ وهل من الممكن أن يكون هناك إضراب عن العمل لأطباء القطاع الخاص أو الممرضين أو المهندسين الزراعيين.. من أجل تطبيق سلم رواتب موحد وبحد أدنى من الراتب والعلاوات لحملة ذات الشهادة والكفاءة في القطاعين العام والخاص، أم أن القطاع الخاص حازم مع موظفيه، ويكون الثمن أحيانا أن تضيع الوظيفة لأن هناك من تدفعه الحاجة إلى قبول راتب قليل بدلا من البطالة، أو ربما يكون العامل في القطاع الخاص غير قادر على تنفيذ إضراب لأسابيع وشهور كما هو الحال مع موظفي الحكومة، لأن الثمن قد يكون، عاجلا أو آجلا، فقدان الوظيفة أو التضييق عليه.
وللإنصاف فهناك قطاع خاص يقدم رواتب عالية وامتيازات وظروف عمل إيجابية، لكن إذا أردنا أن نقدم إنجازا شاملا للمهنيين فليكن من خلال تطبيق سلم رواتب في القطاعين العام والخاص، وأن يكون هناك ضغط أيضا على أي مؤسسة خاصة فيها ظلم لمن يعمل فيها. وهذا الأمر يخرجنا من إطار العمل السياسي أو ما يشبهه إلى مسار شامل يقدم إنصافا للجميع، لأن أي نقابة ليست فقط ممثلة لقطاع بل للجميع، ولا يجوز إغماض العيون عن أوضاع غير عادلة في بعض القطاع الخاص، وبخاصة أن جزءا كبيرا من قادة النقابات هم من القطاع الخاص أو أرباب عمل، وبالتالي يعلمون أين الخلل وحجمه.
وحتى المعلمون، ورغم القناعة بأنهم يحتاجون كل تكريم، إلا أن جزءا من معلمي القطاع الخاص يعانون ظلما وعدم إنصاف، بل إن بعضهم، كما يتم الحديث منذ سنوات، يتعرضون لاستغلال، لكن الصوت غائب، ولم تكن هناك اعتصامات أو توقف عن العمل أو توقيف للعملية التعليمية كما حدث في قطاع الحكومة، لأن المعلم هناك يعلم أن رفع الصوت وليس الإضراب قد يكلفه لقمة عيش أطفاله، بل حتى الشكوى من الاستغلال كان البعض لا يجرؤون عليها خوفا من رب العمل.
السعي لرفع الرواتب يجب أن يكون في كل الاتجاهات، لأن الظرف السياسي الذي وفر فرصة لاستخدام الحد الأقصى من أدوات الضغط على الحكومة لم يتوفر للضغط على القطاع الخاص، ولهذا لا نسمع أي جهد باتجاه إنصاف أبناء القطاع الخاص.
(الغد)