استراتيجيات الإعلام الإسرائيلي وروايات الواقع المتناقض
محمود الدباس - ابو الليث
02-09-2024 01:55 PM
منذ السابع من أكتوبر.. شهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحولات جديدة.. فلم يعد هذا الصراع محصوراً في ساحات المعركة الميدانية فقط.. بل امتد ليشمل ميدان الإعلام.. حيث باتت الصحافة جزءاً لا يتجزأ من الحرب.. تنقل ما يحدث على الأرض وتُشكل في الوقت نفسه الرأي العام.. وتوجه السياسات.. وفي ظل هذه المعركة الإعلامية نجد أن الجيش الإسرائيلي يواجه تحديات متعددة على عدة جبهات.. ليس فقط في غزة بل أيضاً في الضفة الغربية والحدود الشمالية.. ومع ذلك.. والمثير للاستغراب هو التحول في نبرة الخطاب الإعلامي الإسرائيلي مؤخراً.. حيث برزت نغمة جديدة تهدف إلى خلق صورة معقدة ومتناقضة حول واقع الصراع..
لكن ما يثير التساؤلات بشكل أعمق.. هو ما يحدث داخل الكيان الإسرائيلي.. والذي يُهيمن على الإعلام العالمي من خلال لوبيات الاحتلال.. فمن غير المسموح تداول أي شيء قد يضر بمصالحه وتُحذف المنشورات التي تُعارض تلك المصالح بشكل فوري.. ومع ذلك نجد أن الصحافة الإسرائيلية تبرز في بعض الأحيان بطولات المقاومة الفلسطينية وتتناول نقاط ضعف الجيش الإسرائيلي.. هذا التناقض الصارخ يبدو وكأنه جزء من استراتيجية متعمدة تهدف إلى خلق حالة من الضبابية حول حقيقة ما يجري..
هنا يعود السؤال الملح.. كيف يتمكن جيش الكيان الإسرائيلي من مواصلة عملياته في الضفة الغربية والجبهة الشمالية؟!..
يبدو أن هناك فجوة كبيرة بين ما يُنشر في الإعلام وما يحدث فعلاً على الأرض.. هذه الفجوة قد تكون مقصودة لتحقيق توازن بين تحفيز الجنود على القتال وتخفيف الضغط النفسي عنهم.. وكأن الجيش يحاول توجيه رسائل متعددة في اتجاهات متناقضة.. محاولاً أن يُبقي المقاومة في حالة ارتباك دائم..
ومع استمرار هذه الديناميكية الإعلامية نجد أن الكيان الإسرائيلي يوسع من رقعة المعركة.. فالتوغل في مناطق ليست سهلة في الضفة الغربية والمناوشات المتكررة على الجبهة الشمالية مع حزب الله.. كل هذه التحركات تعكس واقعاً معقداً.. فإذا كان الجيش الإسرائيلي حقاً في حالة ضعف كما تُصور هذه المقالات.. لماذا يفتح على نفسه جبهات جديدة؟!.. ألا يُفترض به التركيز على غزة فقط؟!.. أم أن هذه التحركات هي محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والدولي عبر تحقيق انتصارات سريعة في أماكن أخرى؟!.. هنا يتضح أن الكيان الإسرائيلي يلعب على حافة الهاوية.. وهو بذلك يُراهن على استراتيجية قد تنقلب عليه إذا لم يحسن إدارتها..
لفهم هذا التناقض.. يجب أن ننظر إلى الأمر من عدة زوايا وبحيادية وموضوعية.. فقد يكون السماح بنشر مثل هذه المقالات جزءاً من تكتيك دعائي معقد.. فالإسرائيليون يدركون تماماً أهمية الحرب النفسية وربما يستخدمون هذا النوع من المعلومات لمحاولة إيهام المقاومة الفلسطينية والعالم بأن الجيش الإسرائيلي في حالة ضعف.. مما قد يدفع المقاومة لاتخاذ قرارات متسرعة.. ظناً منها أنها على وشك تحقيق نصر حاسم.. لكن في الحقيقة.. هذا الأسلوب قد يُعرضها لهجمات أشد وأعنف.. في لحظة يعتقدون فيها أنهم اقتربوا من النصر..
من ناحية أخرى.. يمكن أن تُستغل هذه المقالات كجزء من استراتيجية دعائية أوسع.. تهيئ الرأي العام الإسرائيلي لتقبل خسائر مؤقتة بهدف تحقيق مكاسب أكبر في المستقبل.. فالحديث هنا ليس عن ضعف حقيقي بقدر ما هو إعادة تموضع لخداع المقاومة وكسب الوقت اللازم لترتيب الصفوف.. لكن هذا الأسلوب قد يحمل في طياته مخاطرة كبيرة.. فإذا لم تُدار هذه التحركات بعناية قد تؤدي إلى تفاقم الوضع وزيادة التوتر على جميع الجبهات مما قد يضع الكيان الاسرائيلي في موقف أصعب مما كان عليه في البداية..
هنا يجب ان نتوقف قليلاً ونفكر ملياً.. فيبدو أن الكيان الإسرائيلي يلعب على عدة أوتار.. فمن ناحية يسمح بنشر مقالات تظهر ضعفه.. وذلك لتحفيز الدعم الدولي ولتبرير تحركاته العسكرية.. ومن ناحية أخرى.. هل يسعى لتحقيق انتصارات سريعة في الضفة الغربية والشمال لإعادة بناء هيبته المفقودة؟!.. أم أن هذا هو واقعه الحقيقي.. وأنه يسيطر على مجريات الأمور ويديرها وفق إرادته؟!..
لكن السؤال الأهم في نهاية الامر هو.. إلى أين ستقود هذه اللعبة؟!.. وهل يمكن أن يؤدي هذا التوسع إلى تصعيد أكبر؟!.. الإجابة على هذه التساؤلات قد تكمن في تطورات الأيام القادمة.. لكن ما هو مؤكد أن ما يحدث الآن يعكس تعقيداً كبيراً في المشهد السياسي والعسكري في الكيان الإسرائيلي.. وهذه التعقيدات قد تُعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة بشكل لم نشهده من قبل..