اللامبالاة السياسية .. تحديات تعزيز المشاركة الانتخابية
أ.د تركي الفواز
31-08-2024 09:59 PM
تعد الانتخابات النيابية إحدى أهم الوسائل الديمقراطية التي تمكن المواطنين من التعبير عن آرائهم واختيار ممثليهم في مؤسسات صنع القرار، وعلى الرغم من أهمية هذه المشاركة في تحقيق التغيير المنشود وتعزيز الشفافية والعدالة الاجتماعية، فإن تحقيق المشاركة الفعّالة يتطلب اهتماماً مستمراً من جميع الأطراف المعنية، فالعملية الانتخابية ليست مجرد تصويت، بل هي فرصة للتعبير عن الإرادة الشعبية وتوجيه السياسات العامة بما يتماشى مع احتياجات المجتمع، ومن خلال تعزيز الوعي بأهمية التصويت وتقديم الدعم اللازم للمواطنين للمشاركة بفاعلية، يمكن تعزيز جودة النظام الديمقراطي وضمان أن تكون القرارات التي تُتخذ تعكس بشكل حقيقي تطلعات وآمال المواطنين، كما أن التفاعل الفعّال مع العملية الانتخابية يعزز من شرعية المؤسسات السياسية ويقوي الثقة بين المواطنين وممثليهم.
وتسهم المشاركة النشطة في تحسين جودة الادارة من خلال ضمان أن تكون السياسات متماشية مع القيم والمصالح المشتركة للمجتمع، بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسين بيئة الانتخابات، وضمان الشفافية والنزاهة وتوفير سُبُل وصول ميسرة، يعزز من مشاركة المواطنين ويشجعهم على أن يكون لهم دور فعّال في بناء مستقبلهم السياسي، من خلال هذه الجهود، يتم تحقيق نظام ديمقراطي أكثر شمولية وفعالية، مما يسهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تحول دون تحقيق مشاركة واسعة وواعية من قبل المواطنين، ومن ابرزها نقص الوعي السياسي( اللامبالاة السياسية) التي تعد من أبرز التحديات التي تواجه المشاركة الانتخابية، إذ يشعر العديد من المواطنين بأن أصواتهم لن تحدث تغييراً حقيقياً، مما يؤدي إلى عدم اهتمامهم بالمشاركة في الانتخابات، ويعود هذا الشعور جزئيًا إلى عدم فهم الأهمية الحقيقية للتصويت كأداة للتأثير السياسي، إضافة إلى عدم وجود توعية كافية بأهمية المشاركة بالانتخابات.
وللتغلب على اللامبالاة السياسية وزيادة المشاركة الانتخابية، يمكن اتخاذ مجموعة من الخطوات العملية التي تستهدف الأسباب الجذرية لهذه المشكلة؛ منها تعزيز الثقة في العملية الانتخابية وضمان الشفافية والنزاهة من خلال مراقبة الانتخابات بشكل مستقل من قبل منظمات محلية ودولية، والالتزام بالإجراءات القانونية لضمان نزاهة النتائج، وتنفيذ سياسات فعّالة لمكافحة الفساد والمحاسبة القضائية للمسؤولين المتورطين في الفساد أو سوء الإدارة، وزيادة الوعي السياسي المتمثل في تثقيف المواطنين من خلال إطلاق برامج تثقيفية تشرح أهمية المشاركة السياسية والانتخابية، وكيفية تأثير التصويت على صنع القرار والسياسات العامة للدولة، وتشجيع النقاش العام بفتح قنوات للحوار العام والمناقشة بين المواطنين والسياسيين حول القضايا المهمة، مما يزيد من إحساس المواطنين بالانتماء والمسؤولية، يضاف الى ذلك بناء سياسات تستجيب لتطلعات المواطنين، ومنها تشجيع الأحزاب السياسية على تطوير برامج واقعية إذ أن البرامج الانتخابية لا بد أن تعكس احتياجات المواطنين ومشاكلهم الحقيقية، وإعطاء الأولوية للقضايا التي تهم شؤون المواطنين مثل البطالة، الرعاية الصحية، التعليم، ومكافحة الفقر، اما بالنسبة الى آلية تحسين الوصول إلى صناديق الاقتراع فيتم ذلك من خلال تبسيط عملية التصويت بتوفير آليات لتسهيل التصويت، مثل التصويت الإلكتروني، التصويت المبكر، أو تخصيص مراكز اقتراع إضافية، ودعم الفئات التي تواجه صعوبات في الوصول إلى مراكز الاقتراع مثل: كبار السن أو الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة؛ كتقديم مساعدات خاصة لهم. اما تعزيز دور الإعلام في التحفيز على المشاركة فهذا يحتاج الى تغطية إعلامية مستقلة من خلال تشجيع الإعلام على تغطية سير عملية الانتخابات بشكل نزيه وموضوعي، وتسليط الضوء على القضايا التي تهم المواطنين، وتكثيف الحملات التوعية إلاعلامية التي تهدف إلى تعزيز وعي الناس بأهمية المشاركة الانتخابية، بالتطبيق المتكامل لهذه الخطوات، يمكن تقليل اللامبالاة السياسية من قبل المواطنين وتعزيز المشاركة الفعالة في الانتخابات.
في الختام، يتضح أن تعزيز المشاركة الانتخابية يتطلب معالجة فعالة لمشكلة اللامبالاة السياسية التي تؤثر على العديد من المواطنين. لتحقيق التغيير المنشود في المجتمعات الديمقراطية، من الضروري تعزيز الوعي السياسي والتفاعل الفعّال مع العملية الانتخابية يشمل ذلك؛ تبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في الانتخابات، وزيادة الوعي السياسي، وتحسين الوصول إلى صناديق الاقتراع، وتعزيز دور الإعلام. من خلال مواجهة هذه التحديات، يمكننا تحقيق مشاركة واسعة وواعية، إن استجابة المؤسسات السياسية والإعلامية والمجتمع المدني لهذه الاحتياجات ستسهم في تقوية الديمقراطية وجعل صوت كل مواطن ذا قيمة وتأثير. بتضافر الجهود وتطبيق هذه الحلول العملية، نكون قادرين على بناء بيئة سياسية أكثر تفاعلاً وشفافية تعكس تطلعات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم.