الرأس التي يستقر التاج فوقها .. لا ترقد بسلام
أمل محي الدين الكردي
31-08-2024 05:47 PM
* الحسين.. الانسان
(كثير من المفكرين ممن أجادوا التعبير بأن القيادة فن من صنع القادة وقدرتهم على اقناع الاخر واقحامهم الى هدف معين يعملون لأجله، حتى يؤمنوا به حتى لو كلف ذلك حياتهم. فهذه لا تنطبق على القادة ككل، بل تنطبق على الموهبة التي تُخلق مع الانسان وتنمو نموه منذ نشأته حتى يصبح قائداً عظيماً. وأضيف بأن من يحمل هذه الصفات يجب أن يؤمن بالخير كارهاً للشر- أمل الكردي).
ليس بغريباً أن تنطبق هذه المقولة على شخصية مارست القيادة وأعدت نفسها إعداداً لا يخفى على أحد من المراحل والظروف التي آلمت بشعبه وبه، بمراحلها التاريخية ،ولكن لعبقريته وعطاءه السخي هي من صنعت ثقة شعب بقائد وثقة قائد بشعب وكأنهم تؤام بروح واحدة لا يفصلها إلا الموت .لعلي أرغب بإضافة الاحترام والتواضع يزاحم الثقة احياناً في تحليل خصائص القائد الذي يصنع مجداً وتاريخاً بينه وبين شعبه.
الاردن بحجمه الجغرافي والسكاني كان طيلة الوقت محط أنظار العالم الغربي قبل العربي ،وهناك الكثير ممن جاؤو الى الاردن ليتعرفوا على هذه البقعة الصغيرة من العالم وطريقة الحياة بها وكيف تدار عقارب الساعة بها .وهذا ما كان من الكاتبة البريطانية -إثيل مانين – التي جاءت الى الاردن في ستينات الماضي ورافقت المغفور له جلالة الملك حسين بن طلال رحمه الله عام 1966م في رحلة تفقدية قام بها المغفور له الى نابلس وطولكرم وجنين .وقد وصفت أجتماع الملك بافراد الشعب وكيف كان يصافح كل واحد من مستقبليه ،ويستمع الى اقوالهم .وتضيف الكاتبة أنه ملك يسهل وصول افراد شعبه اليه .وتشرح الموقف وتقول: كنت أستطيع من وقفتي وراءه مباشرة أن أتفحص عن كثب وجوه الرجال الذين كانوا يتقدمون نحوه :لقد كان حقاً مشهداً رائعاً يثير المشاعر .أن الغرب يميل الى اعطاء المحاضرات الى الشرق فيما يتعلق بالديمقراطية ،ولكن هل يوجد في اقطار الغرب ملك يسهل على عامة الناس أن يجتمعوا به مثل هذا الملك العربي الشاب؟ وقد أبدت المؤلفة اعجابها من إحاطة الجماهير الحاشدة بشخص الملك حسين بن طلال ،وكيف كان يشق الطريق لنفسه بين الكتل المتراصة بعيداً عن رجال الامن .واتخذت من هذا كله دليلاً على شعبيته وحب الناس له. وتضيف الكاتبة :أن الاردنيين يعرفون هذا حق المعرفة لأن ابواب الديوان الملكي كانت دائماً وما تزال مفتوحة في وجه الجميع على اختلاف درجاتهم الاجتماعية وطالما رأينا في مناسبات عديدة جموعاً زاخرة من أبناء الشعب يلتفون حول جلالته فيصافحهم بيده ويرحب بهم ويتحدث اليهم في الموضوعات التي تشغل تفكيره وتفكيرهم .ونقلت الكاتبة عن لسان احد رجال الجيش العربي انه في شتاء عام 19561957م عندما تراكمت الثلوج بالقرب من بلدة صويلح وتسببت بإغلاق الطرق بين القدس وعمان – صدر الأمر الى مفرزة من رجال الجيش ليعملوا على فتح الطريق .وبينما افراد تلك المفرزة يعملوا على ازالة الثلج على الجوانب ،التفتوا ليجدوا بينهم مليكهم وقائدهم بملابس الميدان يعمل معهم ويشاركهم العمل بيديه ،فلا يبرح المكان حتى تبدوا ملامح الطريق واضحة وتتمكن عشرات السيارت باتجاهين من مواصلة سيرها بأمان.وتتواصل الكاتبة بنفس السياق وتكتب وفي شتاء عام آخر تراكمت الثلوج بين العقبة ومعان فلم تستطيع أي قافلة من سيارات الزيوت أن تواصل سيرها الى عمان فتوقفت في منتصف الطريق بعيداً عن معالم العمران.
وكان الحسين أول من بادر الى نجدة القافلة ،إذ قاد طائرة الهليكوبتر بنفسه في جو مضطرب من الغيوم الكثيفة وكان يحوم فوق رؤوس الرجال المحاصرين بالمنطقة واخذ يزودهم ما يلزم من الطعام والاشياء الضرورية الاخرى وقد كرر العملية عدة مرات وخلال بضعة ايام حتى انتهت العاصفة واستطاعت القافلة ان تواصل سيرها الى عمان .وتضيف الكاتبة أنه في عام 1957م ان الحسين العظيم كان يسوق سيارته على طريق صويلح ،واعترض طريقه صبي صغير فما كان منه الا ان انحرف بسيارته على عجل لكي يتفادى الحاق الاذى بالصبي وانقلبت السيارة الى جانب منحدر ولكن عين الله ترعى الحسين فسلمت حياته .
وهذه مغامرة للملك الانسان التي تدل على إنسانيته لكي لا يتعرض حياة انسان آخر للأذى .
وذكرت بكتابها أن افراد الجيش العربي يذكروا مليكهم وقائدهم الأعلى انه لم يتخلى عنهم يوماً واحداً عن مشاركتهم في مواجهة الاخطار وخوض المعارك ولم يحدث يوماً أنه وقع عدوان إلا وكان الحسين بمقدمتهم مع القوات المحاربة ولطالما اشترك بنفسه مع الجنود في خوض غمار القتال .وذكرت انه في عام 1953م كان الحسين على سرير المرض في احدى مستشفيات اوروبا وكان هناك هجوم اسرائيلي وما أن بلغه ذلك ،غادر المستشفى وعاد الى الوطن ليكون مع ابناء شعبه بمحنتهم لاحدى القرى .
كل هذه المزايا جعلت من الملك حسين مثالاً يحتذى به في كرم النفس والاقدام علعلى التضحية وهو بعيون جيشه وشعبه يمثل القائد والزعيم والأخ والرفيق ، ووصفت الكاتبة أن الحب والاخلاص للملك ينبعان من القلب له من شعبه ،وهم يكبرون به الشجاعة والارادة القوية ويحترمون صلابته في المبدء وهذه كلها من الانسان العظيم .
المغفور له الملك الحسين بن طلال كان سياسياً من الوزن الثقيل ،وربما الحسين كان من القلائل الذين ادركوا حكمة الامساك بالحكم واذا تناولنا مذكرات المغفور له لادركنا من الاسطر والابواب المختلفة وما مر به المغفور له بدءً من استشهاد الملك عبد الله الاول أمام عينيه ،واستلامه الحكم والعواصف المختلفة التي نالت من حياته وعرشه لنجد أنها ازمات نالت منه حتى وفاته . هذا هو الحسين العظيم الذي كتب عنه الغرب اكثر ما كتب العرب عنه وأبدعوا بكتابة الجوهر ولكن للاسف هناك الكثير من الكتب باللغات المختلفة لم تترجم ولم يتم البحث عنها للنشير اليها . هذا جزء من تاريخ عظيم للقائد عظيم .
ولا بد من الاشارة الى الكاتبة إيثيل مانن بأنها جاءت الى الاردن وصاغت كتاب عن الاردن والملك حسين ونشر بالستينات الماضية بعنوان الارض الجميلة – المملكة الاردنية الهاشمية
Lovely Land: The Hashemite Kingdom of Jordan
واستوحت المقدمة للكتاب بعبارة للكاتب شكسبير.
)UNEASY HES THE HEAD THAT BEARS ACROWN(
ولا شك بأن الكتاب كان ارضية جميلة لأرض جميلة بكل ما تحمل من ثمار الأنسانية ووصف الاردنيين بهذا الحب .