رانيا العبدالله .. ملكة و أكثر
فيصل سلايطة
31-08-2024 12:21 PM
قبل عدة سنوات سافرت إلى العاصمة الجورجية تبليسي، هناك لا يعرفون العربية ولا الانجليزية، لذلك تواصل عامّة الشعب مع السياح شبه معدوم.
نزلت إلى الشارع بحثا عن مكانٍ لبيع العسل الجورجي، دخلت إلى المتجر المخصص وبدأت أتذوّق العسل لاختيار النوع الانسب، فرفعت البائعة يدها وبدأت برسم علامة سؤال، فهمت من تصرّفها بأنّها تسألني "من أين أنت؟" فأجبتها "جوردان"، فقامت بوضع كلتا يديها على ياقة قميصها وقالت "كوين رانيا واو"..
أرادت البائعة من هذه الحركة أن توصل لي رسالة بأنّها تعرف الاردن وتعرف ملكة الاردن الانيقة، فالثياب لمن يجهل اهميتها هي مفتاح وبروتوكول ومظهر، يرتبط بالشخص ويرسم له صورة أمام العامّة، فكيف إن كانت شخصية كالملكة رانيا العبدالله؟
الملكة رانيا وعلى مدار أكثر من ربع قرن، عرفت جيدا كيف تصنع من نفسها امرأة تحظى بمكانة عالمية، فصوتها مسموع ومنطِقها متوازن، تعرف مفاتيح الشرق والغرب، تخاطبهم بالصراحة التي يريدونها، وخطاباتها دائما لها وقع خاص، فمن منّا لا يتذكر تلك المقابلة الشهيرة التي جمعتها باوبرا وينفري، وتعجّب الاخيرة من طريقة تربية الملكة رانيا ومدى التزامها.
ليس من السهل أن تكوني ملكة و عربية في آن معا ، فنحن العرب في طبيعتنا و ثقافتنا لا نفضّل وجودا انثويا كثيرا في الواجهة ، بيد أن التاريخ في المشرق يروي قصصا لملكات حكمن و أدرن دول ، لكن يبقى العقل العربي يتحسّس الظهور و التواجد ، لكن الملكة رانيا و بدعم من الملك عبدالله الثاني كسرت هذه القاعدة ، فوجودها بجانب الملك شكّل حالة من التوازن و التناغم ، و بات ظهورهما سويا يرسم صورة مثالية عن علاقات الحبّ العابرة للسنوات.
لطالما كانت الملكة رانيا راعية المرأة الاولى و الداعمة الرئيسية لها ، خصوصا تلك التي تحاول بشتى الطرق شق طريقها بالعلم أو العمل أو التعليم ، فقصص كثيرة قد ترويها معلّمات ساهم تشجيع الملكة رانيا لهنّ بتعميق حبّهن لعملهن ، و كم من صاحبات الاعمال زارتهن الملكة رانيا في الجمعيات أو البيوت ، في المدن أو القرى و الارياف.
"الدبلوماسية الأردنية"
ساهمت الملكة رانيا بشكل أو بآخر بتعميق الاحترام للدبلوماسية الاردنية ، هذه المدرسة العريقة التي جعلت الأردن على تواصل عام و شامل مع العالم ، ففي محيط ملتهب من الصراعات كان الاردن ، هذا البلد الصغير قدوة بالادارة و نهجا بالاعتدال يضرب به المثل ، لذلك نجد بأن مقابلات الملكة تتابع من الغرب قبل الشرق ، فتعليقاتهم و ردودهم المباشرة تشير إلى قدرتها على المخاطبة و التأثير ، بلغة انجليزية تفوق قدرة بعض الغربيين حتى في التعبير.
رانيا الزوجة ، الأمْ و الجدّة..
لم تنفصل الملكة رانيا عن العائلة ، و لم تسرقها الاضواء و وهجها عن البيت، فهي التي اشركتنا منذ أن بدأت رحلتها عبر وسائل التواصل بتفاصيل يومياتها و اعمالها ، أكدت لنا بأنّ العائلة دائما أولا ، و مهما سافرت و ذهبت و انشغلت و درست و تابعت ، يبقى اهتمامها الأوّل " العائلة " خصوصا مؤخرا بعد أن أصبحت الملكة رانيا "تيتا" فكما قالت في مقابلة لها في الولايات المتحدة الامريكية " ما في اغلى من الولد ، إلا ولد الولد ".
الملكة رانيا و اغتيال الشخصية...
لم تكن الملكة رانيا طوال مسيرتها كملكة ، بمنأىً عن اولئك الذين يرجمون الشخص لمآرب شخصية أو لتحقيق غايات مدفوعة بحقد و عنصرية ، فهوجمت ، لكنّ هذه الاقلام الصفراء لم تحدّ من طموحها ، فلم تبتعد يوما و تعتزل الحياة العامة ،و لم تتوانى يوما عن تشجيع النساء و الاهتمام بالاطفال ، تزور المحافظات و القرى و البوادي و الارياف ، لتثبت للجميع بأنّها ابنة الاردن المخلصة و ملكته التي تحمل اسمه اينما حلّت و ارتحلت.
اكتب هذا المقال حبّا بملكة لم ترسم في العقول عن الأردن يوما ، إلا صورة عصرية راقية و متحضّرة ، صورة نحن بأمسّ الحاجة لها ، و في ذكرى ميلادها نتمنّى لها دوام الصحة و الفرح.