نتنياهو ونرجسيته السياسية
خالد دلال
31-08-2024 01:01 AM
يصل بعض السياسيين، تحديدا المنتخبين منهم، وخصوصا عند تقدمهم في العمر، إلى مرحلة من النرجسية السياسية يتقدم فيها الحفاظ على ما حققوه من نجاح، من وجهة نظرهم الخاصة طبعا، على كل شيء آخر، حتى مصلحة بلادهم، وذلك من باب تجسيد المقولة الفرنسية الشهيرة "أنا ومن بعدي الطوفان".
ولعل من الشخصيات التي برزت حديثا لتجسيد ما تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي المأزوم سياسيا وعسكريا، بنيامين نتنياهو، والذي جاءت الحرب على غزة مخرجا له للبقاء في السلطة، وإلا كان الآن يحاكم في إسرائيل على تهم عديدة أهمها الرشوة والاحتيال. وهذا طبعا إضافة إلى المحاكمة التي تنتظره وغيره من قادة تل أبيب بخصوص أحداث السابع من أكتوبر.
يعلم نتنياهو علم اليقين أنه سيواجه موجة سياسية وشعبية ساخطة ستطيح بحكمه إذا ما وضعت حربه المجنونة على غزة أوزارها، وهو، لذلك، يسعى في كل مناسبة لتعزيز تحالفه مع اليمين الإسرائيلي المتطرف لتمرير مخططاته، وتحديدا وزيرا المالية، بتسلئيل سموتريتش، والأمن القومي، إيتمار بن غفير، مستغلا الانشغال الأمريكي والأوروبي في الانتخابات والحرب الروسية الأوكرانية، ومنتشيا بطبيعة الحال بالدعم الغربي العلني لبلاده عبر تعبئة محيطات وبحار الشرق الأوسط بالبوارج والطائرات العسكرية وآلات الحرب خدمة لجنرالات تل أبيب في حال اتسعت رقعة الحرب ودخلت قوى إقليمية على خط المواجهة ضد إسرائيل.
الجبهة الجديدة التي يسعى نتنياهو لتأجيجها هي الضفة الغربية، وما نراه من تصعيد إسرائيل هناك يأتي في سياقات ثلاثة: أولها امتلاك ورقة جديدة لتعزيز تحالفه مع اليمين المتطرف في إسرائيل عبر وعود التوسع الاستيطاني في الضفة، وثانيها تمكينه بشكل أكبر من ممارسة الابتزاز ضد الولايات المتحدة نفسها، بحيث أنه قد ينصاع إلى تهدئة الأوضاع في الضفة مقابل الحصول على دعم أميركي أفضل في إطار الصفقة مع حماس وفي تزويد جيشه بما يشتهي من آلة الحرب. أما ثالثا فيكمن في ممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية لتقوم هي بملاحقة الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية نيابة عن إسرائيل، وهو ما قد يؤجج فتنة وحربا داخلية في الضفة الغربية.
على الفلسطينيين الوعي لذلك، وأن لا يسمحوا للمخطط الإسرائيلي بالمرور على أجسادهم مجددا، عبر تعزيز وحدة صفهم والوصول إلى تفاهمات ملزمة. وعلى العرب أن يصعدوا سياسيا في مختلف المحافل الدولية، خصوصا في الأمم المتحدة، لخلق ضغط سياسي دولي متصاعد على القادة في تل أبيب، خصوصا المعارضة، للوقوف ضد نتنياهو وإسقاطه إن أمكن. أما حجر الزاوية في كل ذلك فيبقى في يد الإدارة الأميركية التي عليها اتخاذ موقف صارم يلجم نتنياهو ويجبره على عدم المضي قدما في جنونه السياسي، وأهم الأدوات في هذا الإطار ربط المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل ووجود القوات الأميركية في البحر الأبيض المتوسط بسلوك الحكومة الإسرائيلية الحالية ورئيسها، ما يرسل تحذيرا واضحا لنتنياهو، ولليمين المتطرف، أنه قد يغدوا وحيدا إذا ما تمادى في سلوكه السياسي الأرعن في المنطقة، وتداعيات ذلك على المصالح الأميركية.
عامل الوقت حساس، وعلى الإدارة الأميركية إجبار نتنياهو على إنهاء الحرب على غزة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر. فوقتها، وإن نجح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في اعتلاء سدة البيت الأبيض، فإن شعوب الشرق الأوسط كلها، وليس الشعب الفلسطيني وحده، سيكونون أمام شخصيتين نرجسيتين ستتحالفان بقوة لتمرير مخططات قد تغير شكل المنطقة برمتها، لأن كلاهما يعرفان جيدا ما تعنيه الانتهازية السياسية في صياغة التاريخ حفظا لمصالحهما.
الغد