الترشيق الحكومي لا يعني تسريح الموظفين
صالح سليم الحموري
30-08-2024 06:54 PM
في ظل التحديات الاقتصادية والتغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم، أصبح ترشيق القطاع الحكومي موضوعًا حيويًا يستقطب اهتمام العديد من الحكومات حول العالم. في الآونة الأخيرة، أصبح مصطلح "ترشيق القطاع العام" يتردد بشكل متزايد في الأوساط الإدارية والسياسية، حيث يُستخدم بهدف رفع الكفاءة والفعالية، وزيادة الإنتاجية، وتحسين خدمات القطاع العام. المثير للدهشة أنني سمعت هذا المصطلح يُستخدم حتى من قبل متخصصين في الإدارة العامة، وبشكل متزايد من قبل "المرشحين لمجلس النواب" في حملاتهم الانتخابية كوسيلة لتخفيض تكاليف القطاع العام، مطالبين بترشيق القطاع الحكومي من خلال تقليل "عدد الموظفين" وانهاء خدماتهم.
ولكن، غالبًا ما يُساء فهم مفهوم "الترشيق" على أنه يعني بالضرورة تقليل عدد الموظفين وتسريح القوى العاملة. هذا الفهم الخاطئ يعكس قلقًا غير مبرر تجاه عمليات التغيير، حيث أن الهدف الحقيقي من "الرشاقة الحكومية" يجب أن يكون تعزيز الكفاءة وتحسين الأداء دون الإضرار بالموارد البشرية التي تُعد أساسًا لنجاح أي مؤسسة.
في حين أن "ترشيق القطاع الحكومي" يمكن أن يتضمن إعادة تقييم الهياكل الإدارية وتحسين الكفاءة التشغيلية، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة تقليل عدد الموظفين أو تسريح القوى العاملة. بل على العكس، يهدف الترشيق إلى تعزيز الأداء العام للمؤسسات الحكومية من خلال تحسين العمليات، وزيادة الإنتاجية، وتبني التقنيات الحديثة التي تتيح للموظفين أداء مهامهم بشكل أكثر فعالية.
إن ترشيق القطاع الحكومي يركز على إزالة العوائق البيروقراطية وتبسيط الإجراءات لتسريع عمليات اتخاذ القرار وتقديم الخدمات. في هذا السياق، يمكن أن يسهم التحول الرقمي والابتكار في خلق فرص عمل جديدة داخل المؤسسات الحكومية بدلاً من تقليصها. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي في إنجاز المهام الروتينية، مما يتيح للموظفين التركيز على الأعمال الاستراتيجية التي تتطلب التفكير الإبداعي والحلول المبتكرة.
في دولة الإمارات العربية المتحدة، نجد أن الحكومة تعمل على ترشيق القطاع الحكومي ليس فقط لزيادة الكفاءة، ولكن أيضًا لتحسين جودة الحياة والخدمات المقدمة للمواطنين. من خلال تعزيز التعاون بين مختلف المؤسسات الحكومية وتطبيق استراتيجيات الابتكار والتكنولوجيا، نجحت الإمارات في تحقيق مستويات عالية من الكفاءة دون الحاجة إلى تقليل عدد الموظفين. على العكس، تم توجيه القوى العاملة نحو مهام جديدة تتماشى مع رؤية الإمارات للمستقبل، وحديثا تعمل على "تصفير البيروقراطية الحكومية".
وبالتالي، فإن ترشيق القطاع الحكومي يعني إعادة توزيع الموارد البشرية بطرق تعزز كفاءة العمل وتحسن جودة الخدمات العامة. هذا النهج يتطلب الاستثمار في تطوير مهارات الموظفين وتأهيلهم للتعامل مع التقنيات الحديثة، مع إشراكهم بشكل فعّال في عملية التحول الرقمي. بدلاً من تقليل عدد الموظفين، يركز مفهوم "الترشيق" على تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانياتهم وتوجيههم نحو أدوار أكثر استراتيجية تلبي احتياجات المستقبل.
إنني أطالب بإعادة النظر في الاستراتيجية الحكومية الحالية، وإعادة تعريف مفهوم "ترشيق القطاع العام" بما يتماشى مع التوجهات الحديثة في الإدارة وحكومات المستقبل.
في النهاية، يمكن القول إن "ترشيق القطاع الحكومي" هو عملية ضرورية لتحسين الأداء العام وزيادة الفعالية، ولكنه لا يعني بالضرورة تقليل عدد الموظفين. بل يجب أن يُنظر إلى الترشيق كفرصة لتعزيز قدرات القوى العاملة وتوجيهها نحو تحقيق أهداف أكبر وأكثر استراتيجية بما يتماشى مع التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية في العالم.