الذكاء الاصطناعي ورفاهية العاملين في القطاع الصحي
البروفيسور إيمانويل أزاد مونيسار
30-08-2024 12:21 PM
تواجه القوى العاملة العالمية تحديات غير مسبوقة بسبب تصاعد مخاوف الصحة النفسية، ما يؤثر بشكل كبير على الإنتاجية واستدامة الموارد البشرية. ومع التقدم السريع في التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري تقييم دورهما في تحقيق مستويات من الرفاهية الوظيفية، وقياس تأثيرهما الجماعي على رفاهية القوى العاملة ونتائج الأعمال. تتطلب هذه القضية المعقدة فهمًا شاملاً لاستراتيجية الرفاهية المجتمعية للقوى المُنتجة، على المستوى المحلي وعلى مستوى المبادرات العالمية للرفاهية. والمعروف أن الأحداث العالمية الأخيرة، بما في ذلك جائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية والتغيرات المناخية والبيئية، أدت إلى زيادة في الاضطرابات النفسية للأفرادعلى مستوى العالم.
ومن هنا تأتي اهمية مفهوم الرفاهية النفسية لأصحاب المهن، وخاصة اؤلئك الذين يعملون في القطاع الصحي، ذلك أن هذه الشريحة من العاملين لا تنحصر رفاهيتهم وشعورهم بالصحة والسلامة العامة على أنفسهم بل تتعدى ذلك إلى ما يتركه ذلك من أثر على مرضاهم، ومراجعيهم، وعلى شريحة كبيرة من المجتمع. بيد إنّ المُقلق في الأمر اليوم، أن الدراسات العلمية تشير إلى أن العالمين في قطاع الصحة باتوا أكثر عرضة لتراجع حالتهم، أو صحتهم النفسية، ما يعني أن هذه الشريحة المهمة من المجتمع تتعرض لحالات من الأرهاق النفسي، من جهة، ولم تحصل على الدعم النظامي المطلوب لتحقيق الصحة النفسية والرفاهية النسبية لهم، من جهة أخرى. والمثير للقلق أيضاً أنه على الرغم من انتشار الإهتمام بقضايا الصحة النفسية في مناطق عدة في العالم، كما هو الحال في دولةالإمارات العربية المتحدة، ونيوزيلندا، إلا أن 75% من الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية لا يسعون للحصول عليها. وقد جاء ذلك الإهتمام والرعاية لمواجهة زيادة النسبة في اضطرابات الصحة النفسية بين العاملين في القطاع الصحي بنسبة لغت 14% في دولة الإمارات، في حين بلغت نسبة الإرهاق بين الأطباء في نيوزيلندا نحو 21%.
الشاهد مما سبق أن هذه الأزمة العالمية تتطلب جهدًا منسقًا لتعزيز السلامة النفسية في أماكن العمل، وذلك في الوقت الذي وصلت فيه مستويات القلق، خاصة بين الأجيال الشابة، إلى معدلات غير مسبوقة، مما يؤكد الحاجة الملحة لتدخلات نفسية اجتماعية فعالة. فقد أصبح الانتحار ثاني سبب رئيسي للوفاة للفئة العمرية 15-29 عامًا، وتواجه الطبيبات في هذه الفئة العمرية خطرًا أعلى بـنحو 2.2 مرة مقارنة بعامة الفئات العمرية من السكان حول العالم. بقي القول أن هناك اعتراف دولي متزايد بالحاجة إلى معالجة قضايا الصحة النفسية والرفاهية بشكل منهجي من خلال قياس تأثير الرفاهية النفسية على الأداء المهني.
وفي هذا السياق يمكن تحديد وتنفيذ حلول للتخفيف من آثار تحديات الصحة النفسية في مكان العمل، وتحسين أداء الأعمال، ورعاية العملاء/المرضى، والرفاهية التنظيمية الشاملة. في الختام، تتطلب معالجة هذه التحديات نهجًا متعدد الأوجه يركز على الرعاية المتمحورة حول الانسان وتحسين قدراته للحصول على الرعاية المطلوبة، مع ضرورة تعاون كافة الجهات ذات العلاقة بالشأن الصحي، والإنتاجي، والتنظيمي، بما في ذلك مقدمي الرعاية الصحية، والوكالات الحكومية، وأرباب العمل، والمؤسسات التعليمية، والمنظمات المجتمعية. وفي المحصلة، ومن خلال تنفيذ سياسات وبرامج قائمة على الأدلة، يمكننا خلق بيئة أكثر دعمًا تعزز الصحة النفسية والرفاهية لدى الأفراد المنتجين والمجتمع، ما يتيح للأفراد الوصول إلى الرعاية اللازمة والازدهار عقليًا وعاطفيًا.
* البروفيسور إيمانويل أزاد مونيسار/ أستاذ سياسات وأنظمة البحوث الصحية/ كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية.