تكتب أو لا تكتب سيان فقد أكتشف معظم المسؤولين في الدولة كبسولة المناعة ضد النقد وضد الشكوى وضد الصحافة.
وزراء ومديرين في بلدنا على وشك دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية بتسجيل أعلى نسبة مناعة في العالم ضد شكاوى المواطنين والسبب الكبسولة السحرية التي أخترعها أحد المسؤولين السابقين وأنفقت على أبحاث الوصول اليها وأنتاجها مبالغ طائلة، انها (كبسولة طنش) وبعضهم أسماها (كبسولة أنسى)، فقد أثبتت التجارب أن اهمال ما يكتبه الكتاب من أوجاع المواطنين أفضل وأسهل من الاستجابة لهم أو محاورتهم فسرعان ما يدب اليأس الى أوصال الكاتب فينسى الناس ما كتب وتتبخر القضية وليشرب الكتاب البحر.
هناك من المسؤولين من يعتقد أن كتاب الصحف مرضى نفسيون ولا بأس من السماح لهم بالتنفيس عن ظواهر أمراضهم ففي ذلك شفاء وتدجين لهم وبالنتيجة يكتشف الكاتب أن التقرب من المسؤول ومدحه بالحق وبالباطل أنفع من نقده وكشف أخطائه.
ان الطريق الى القهر والجلطة واحد لا يتعرج ولا يتغير وهو أن تسير في شارع المواطن الصالح، ذلك الشارع الضيق النافذ باتجاه واحد والذي لا يسلكه الا قلائل ممن يتجنبون الازدحام في أتوستراد النفاق والدجل المزدحم بحملة المباخر والسحرة.
شارع المواطن الصالح هو الشارع الوحيد في الوطن الذي حجبت عنه جميع الخدمات.. لاماء ولا كهرباء ولا (سرفيس) وحتى شبكات الهواتف الخلوية عاجزة عن أيصال البث الى هذا الشارع، فيما يشبه حالة الحجر الصحي على المصابين بأمراض سارية، فهناك من يخشى أن تنتقل عدوى المواطن الصالح الى الدوائر الرسمية والشركات الخاصة وتجار السوق والمواطن في البيت والشارع، فتصوروا لو انتشر (فايروس المواطن الصالح) في المجتمع كم الأزمات غير المتوقعة التي تواجهها الحكومات، فمثلا وعلى صعيد الوظيفة العامة فان وباء المواطنة الصالحة سيدفع كل موظف الى تأدية عمله بسرعة وإتقان ولكن النتيجة أن الحكومات ستجد نفسها في مواجهة مطالب عشرات الآلاف من الموظفين الصالحين يرفعون احتجاجاتهم واصواتهم مطالبين بتأدية عمل حقيقي مقابل ما يتقاضونه من رواتب، وأما على صعيد تجار السوق فان النتيجة الأولى لفايروس المواطنة الصالحة توقف الجشع وانخفاض الأسعار وبالنتيجة انخفاض حاد في ضريبة المبيعات وتفاقم عجز الموازنة،
وبدوره فان المواطن المصاب بفايروس المواطنة الصالحة سيتوقف عن إلقاء النفايات في الشارع بل سيساهم في نظافة الحي والمدرسة، وسيتوقف كثيرون عن إزعاج جيرانهم وافتعال المشاجرات والاعتداء على الناس، والنتيجة ارتفاع نسبة البطالة من 13 إلى 19 % حيث لن تكون ثمة حاجة الى جزء كبير من عمال البلديات والمحاكم ودوائر الحكام الإداريين والسجون والخدمات المرتبطة بها.
ثمة مصلحة لفئات متعددة في منع الناس من المرور في شارع المواطن الصالح، وبالتأكيد فان البنية المجتمعية والنفسية التي تحولنا إليها تتناقض تماما مع متطلبات شارع المواطن الصالح وتدفعنا تلقائيا إلى تجنبه والنفور من رواده، وخير دليل أننا نبش في وجوه المنافقين والفاسدين وباعة الكلام ونفسح لهم صدور المجالس ونشيح بوجوهنا عن الصالحين المتواضعين الزاهدين في المنصب العاجزين عن ممارسة هواية التسلق على أعمدة الوطن.
شارع المواطن الصالح أيها السادة هو الطريق الأقرب الى مستشفى الأمراض العقلية أو الى جراح الأزمات القلبية ولكنه الأنقى من التلوث والأقصر إلى راحة الضمير ورضى رب العالمين، غير ما يجري أن هناك توجها لتعديل أحكام التنظيم بهدف إلغاء هذا الشارع بعد أن قل رواده وأغلقت متاجره .
m.sbaihi@hotmail.com
الرأي