الهان عمر أمريكية من أصل صومالي فازت بمقعد في مجلس النواب الأمريكي لفترتين. معروف عنها أنها خطيبة مفوهة، فصيحة اللسان، قوية الحجة، وسريعة البديهة، لكن مشكلتها أنها من خارج دهاليز السياسة المحلية، والخارجية، والدولية.
11 زيارة مكوكية لم توقف الحرب:
وقد تحدثت النائبة إلهان أمام جمهورٍ من الناس والصحفيين، خارج المبنى الذي انعقد فيه مؤخراً مؤتمر الحزب الديمقراطي في مدينة شيكاغو. وفي كلمتها وجهت سهام النقد إلى سياسة إدارة بايدن التي فشلت في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في غزة. وأشارت إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، زار المنطقة 11 مرةَ، منذ بداية الحرب في 7 اكتوبر، ولم يتمكن لغاية الآن من التوصل إلى اتفاق يُنهي القتال.
وانتقدت إلهان مهمة بلينكن وقالت انه ذهب ليتوسل من أجل وقف حربٍ أمريكا نفسها "تقدم فيها القنابل والأسلحة التي تبقيها مشتعلة". ثم تساءلت "أين كرامتنا؟ كيف نسمح لوزير خارجيتنا أن يذهب إلى إسرائيل، للمرة 11، ويقول أننا اقتربنا من التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار، ثم بينما هو يغادر إلى مصر يظهر نتنياهو مباشرة في مؤتمر صحفي ليقول بأنه لن يقبل بأي اتفاق يضع حداً للحرب".
أمريكا تمول الحرب ولا تستطيع إيقافها:
وأضافت إلهان "كيف لا نخجل من هذا الإذلال الذي يواجهه ممثلو إدارة بايدن؟ أليس نفاقاً أن نقول إننا دولة تهتم بحقوق الإنسان؟ أليس نفاقاً أن نقول إننا نهتم بتطبيق القانون؟ أليس نفاقاً عندما نقول إننا نحترم القانون الدولي؟ لكن ما نتعرض له هو إذلال بعينه. نحن أقوى دولة في العالم، نزود بمليارات الدولارات بلداً (إسرائيل) يقوم بحرب إبادةٍ جماعيةٍ ضد أُناسٍ تعرضوا للاحتلال، ويواجهون الفصل العنصري والتهجير".
سياسات الدول لا تحكمها العاطفة:
رغم قوة كلامها وتعاطفها الكبير مع أهل فلسطين وقضيتهم إلا أن إلهان عمر لا تلفت إلا نظر وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة. وهي بخطابها العاطفي لا تؤثر بأي شكلٍ في الوسط السياسي الأمريكي مهما قالت، هي وزميلتها الفلسطينية رشيدة طليب.
كان على إلهان عمر أن تثقف نفسها، قبل دخول المعترك السياسي، حتى تفهم السياسة الخارجية لبلادها. فلو فهمت ما كان خطابها يميل إلى العاطفية، لأن سياسات الدول لا تتحكم فيها العاطفة والمشاعر الجياشة، بل تحكمها المصالح، والتنافس، وتصرفات الخصوم، وغير ذلك من عناصر.
لعبة الأمم:
فلو قرأت إلهان على الأقل كتب التاريخ الحديث وفهمت، لاختلف كلامها، وأخص بالذكر كتاب "لعبة الأمم" لمؤلفه رجل الاستخبارات الأمريكية، "مايلز كوبلاند"، الذي كان الحاكم الخفي لمصر أيام عبد الناصر، وذلك حتى تدرك إلهان كيف تدير الدول الاستعمارية الكبرى العالم، وتهيمن عليه، وفي مقدمتها أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا وغيرها.
في ذلك الوقت لم يكن يصدق الناس أن يد "مايلز كوبلاند" الخفية كانت تدير البلاد، بينما كان عبد الناصر عبارة عن واجهة إعلامية "يصرفه المضللُ كيف شاء". أما الآن، فقد انكشف الغطاء عما كان سراً من قبل، ويستطيع أي إنسان بكل سهولة أن يتوثق من مقولة "كوبلاند" عن طريق الاستماع إلى إفادات الشهود المقربين، ممن عاصروا تلك الأحداث وعايشوها آنذاك، وكانوا من صُنّاعها.
وربما يكفي الاستماع إلى "حسين الشافعي"، نائب الرئيس عبد الناصر، ونائب الرئيس أنور السادات فيما بعد، الذي أدلى بشهادته في برنامج "شاهد على العصر" مع أحمد منصور في قناة الجزيرة. أو الاستماع إلى "مصطفى الفقي"، سكرتير الرئيس حسني مبارك، في برنامج "الصندوق الأسود"، مع عمار تقي، في "تلفزيون القبس".
خلاصة القول: تحسين ظروف التبعية أم التخلص منها؟
واليوم هو كالأمس، لم يتغير شيء من الواقع السياسي العالمي. فالصراع بين الدول الاستعمارية الكبرى، قائمٌ على أشده، تتقاتل على النفوذ والثروات في بلاد العرب والمسلمين. وها قد مضى أكثر من قرن من الزمان وبلداننا تعيش تحت هيمنة الغرب التامة على كل مناحي الحياة.
ففي ظل هذا التاريخ الاستعماري الأسود للغرب، ماذا يستطيع نائب في الكونغرس الأمريكي مثل إلهان أن تفعل هي أو غيرها، ممن يعملون على هامش السياسة هناك؟ أم أنهم يحاولون تقليد من سبقهم، من أمثال المفكر والاكأديمي الفلسطيني، إدوارد سعيد، الذي كان نقاده يصفونه بأنه أمضى حياته محاولاً "تحسين ظروف التبعية للغرب"، وليس التخلص من التبعية، كما ينبغي!!