المؤتمرات خطوة نحو بناء استراتيجيات شبابية موحدة
عبدالله كنعان
29-08-2024 12:31 PM
تُعتبر المؤتمرات واللقاءات والفعاليات على اختلاف موضوعاتها، فرصة للقاء النُخب والمثقفين والمفكرين بهدف التفكير بشكل جماعي للخروج باستراتيجية وخطة عمل واحدة، ويكون النجاح مناط بمدى تطبيق الجميع لهذه الاستراتيجية المتفق عليها والتي تتضح بعض جوانبها في البيانات الختامية، ولا شك أن قطاع الشباب على وجه الخصوص يحتاج لعناية فائقة، خاصة أنه وبحسب إحصائيات هيئة الأمم المتحدة يوجد هناك 1.2 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، يمثلون 16 في المائة من سكان العالم، ولأن شباب أمتنا العربية والاسلامية هم صناع المستقبل، والأمل معقود عليهم بتحقيق الكثير من التطلعات التي نصبوا اليها، فقد خصص العديد من المؤتمرات لدراسة واقع الشباب وسُبل النهوض بهم وتنميتهم وتمكينهم، ومن ذلك مؤخراً مؤتمر ( الشباب العربي حراس التاريخ والهوية) تحت شعار : القدس عربية، والذي انعقد في القاهرة في شهر آب لعام 2024م، وبمبادرة من مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة، وتحت رعاية جامعة الدول العربية، وبحضور قيادات شبابية وثقافية وسياسية ودينية عربية.
إن الشباب العربي وفي ظل ما يواجهه عالمنا العربي من تحديات وأزمات دبلوماسية واقتصادية واجتماعية، خاصة ما يجري في فلسطين المحتلة بما فيها القدس من احتلال اسرائيلي يستند على سياسة عنصرية يستهدف بها التاريخ والهوية والوجود العربي والمقدسات الاسلامية والمسيحية فيها، يقع على عاتقه مواجهة هذه التحديات وتجاوزها تحقيقاً للحريات والنهضة والتنمية المنشودة، غير أن صناعة وبناء الشباب العربي مهمة ليست بالسهلة، وتتطلب الارادة والامكانيات العربية مجتمعة، وهو ما كنت اشرت اليه في أعمال مؤتمر القاهرة الشبابي المشار اليه، حيث أوضحت ضرورة التواصل والتنسيق مع المؤسسات الشبابية الدولية من أجل شباب فلسطين والقدس، بما فيها العربية ومن هذه المؤسسات المهمة شباب اليونسكو وقد تأسس عام 1999م، ومنظمة شباب الأعمال الدولية التي تأسست عام 2000م، والمنظمة العربية للمحامين الشباب حيث تأسست عام 2000م، ومركز الشباب العربي في أبو ظبي عام 2017م، ومجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة منذ عام 2003م ، وبرلمان الشباب العربي الذي تأسس عام 2018م، وعلى الصعيد الوطني الأردني هناك الكثير من المؤسسات الرسمية والجمعيات والاندية الشبابية الى جانب اطلاق المبادرات الملكية المعنية بهموم وموضوعات الشباب، ومن أقوال جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله المتعلقة بالعناية بالشباب، ما جاء في الورقة النقاشية السابعة : "الاستثمار في مستقبل أبنائنا عماد نهضتنا، وإننا على ذلك لقادرون، فها هي ذي ثروتنا البشرية، أغلى ما يمتلك الأردن من ثروات"، وقد كان لي قبل عقود الشرف أن توليت مهام إدارة احدى المبادرات الشبابية لصاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال حفظه الله وهي (منتدى الشباب العربي عام 1988م)، والذي سعى نحو بناء شباب وطني منتمي معطاء، إذ بلغ عدد أعضائه آنذاك أكثر من خمسة آلاف شاب، وأقيمت له فروع في كافة المحافظات والألوية والجامعات الأردنية، وفيما يخص شبابنا الاردني والقدس، ولنشر الوعي والثقافة بالقضية الفلسطينية خاصة قضية القدس، فهناك رابطة شباب لأجل القدس ولها موقع على مواقع التواصل الاجتماعي، ولجان أصدقاء القدس الشبابية الطلابية في الجامعات الاردنية ، كما أطلقت جمعية الكشافة والمرشدات الأردنية مبادرة سنوية بعنوان (كشفية لأجل القدس) استناداً لمبادرة المنظمة الكشفية العربية عام 2006م وغايتها تثقيف الكشاف العربي بموضوع القدس، والكشافة الاردنية عضو في الائتلاف الكشفي العالمي لنصرة القدس وفلسطين.
ولا يخفى على أحد ما يتعرض له الشباب في فلسطين وكافة مدنها بما فيها القدس من استهداف اسرائيلي ممنهج، تمثل بالقتل والاسر واسرلة التعليم والتضييق على كافة المؤسسات الشبابية ، ففي مدينة القدس تم اغلاق اكثر من (100) مؤسسة ثقافية وشبابية، اضافة الى مساهمة الاحتلال في رفع معدلات الفقر والبطالة وانتشار المخدرات بين الشباب المقدسي، ولأن الهدف الاسرائيلي هو نشر الرواية التلمودية المزورة ومحاولة جعلها الرواية الرسمية للاعلام والعالم، فإن التعليم في القدس يواجه حملة اسرائيلية شرسة تشمل اغلاق المدارس واقتحامها ومنع عمليات ترميمها وتوسعتها في ظل اكتظاظ الصفوف وصعوبة الوصل اليها بسبب حواجز التفتيش العشوائية، والاخطر فرض المنهاج الاسرائيلي( بلدية الاحتلال) أو المنهاج الفلسطيني الذي فرضت عليها عمليات حذف للكثير من مضامينه بسبب الرقابة الاسرائيلية، مما يجعل من مسألة الدفاع التعليمي عن التاريخ والهوية الفلسطينية حركة نضال ثقافية يجب أن تسخر لها كافة الامكانيات بما في ذلك انشاء مواقع تعليمية على شبكة الانترنت يتم تزويدها بالمعارف الصحيحة وحمايتها من اي اختراق أو حظر اسرائيلي.
وفيما يخص ما تقدمه اللجنة الملكية لشؤون القدس من اهتمام بالشباب وتوعيتهم بما يجري في القدس من أخبار ووقائع ومعلومات تاريخية وثقافية وحضارية شاملة، فإن اللجنة تصدر تقرير اخباري يومي يوزع ورقياً والكترونياً بواقع ربع مليون نسخة الكترونية وتقرير رصدي شهري يشتمل على الاخبار ويرصد جرائم الاحتلال وعدوانه على القدس، يمكن للشباب الاطلاع عليها من خلال الموقع الالكتروني للجنة، والذي يتوفر عليه رابط لمكتبة اللجنة التي تحتوي اكثر من خمسة الاف كتاب عن فلسطين والقدس، اضافة الى اصدارات اللجنة من الكتب والتي تزيد عن 68 كتاباً، كذلك البيانات والتصريحات والمحاضرات والافلام التوثيقية التوعوية التي تصدرها وتعدها اللجنة.
إن ما تضمنته جلسات وفعاليات مؤتمر ( الشباب العربي حراس التاريخ والهوية) من أوراق عمل حول القدس التاريخ والهوية والجهود العربية حول القضية الفلسطينية والهوية المقدسية، كذلك الاطلاع على عروض وثائقية للشباب العربي تؤكد عروبة القدس وعروض للازياء والملابس والأهازيج التراثية الشعبية، كجزء ومكون للهوية المادية الاصيلة للشعب الفلسطيني، جميعها تدلل على حسن تنظيم المؤتمر وشمولية الفكر والرؤية الاستشرافية للقائمين على اعداده وتنظيمة، خاصة ما تتمتع به رئيسة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة الدكتورة مشيرة أبو غالي من الحرفية وبعد النظر، والتي تجلت جميعها وبشكل تشاركي في البيان الختامي للمؤتمر والتي ركزت على أهمية دور المنابر الدينية والدراما والاعلام في توعية الشباب وتوجيههم، وعلى أهمية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، لما لها من أهمية في الدفاع عنها، كذلك دعوة المشاركين الى ضرورة تضافر الجهود العربية خاصة الشباب لرفع الوعي لديهم لأهمية الحفاظ على التاريخ والهوية المقدسية والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس.
* عبد الله توفيق كنعان / أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس