قد تُعيد قراءة العنوان ، قد تبدأ بنسج كلمات الشتم و الشجب ، قد تظنّ بأنّ هذا الكاتب الأرعن يرقص على جراح المنكوبين و يرشّ الملح على جراحهم ، قد و قد و قد...و لكن..
اعتدنا عند قراءة الروايات الخيالية التي تحكي قصصا عن بطلات و ابطال أن نتأثر بهم ، أن تصبغ الرواية أو المسلسل أو الفيلم شيئا من التعاطف و الذهول من مجريات المحتوى ، ليتم بعدها تسمية كل عاشق بروميو و كل معشوقة بجولييت ، فننتهي من الرواية و نقلب صفحات أو قنوات التلفاز و ننسى.
أما أهل غزة ، فاستماتتنا في اظهارهم خارقين لم يساعدهم بل ضرّهم ، فتارة تخرج مقاطع لشباب يستخلصون الماء من بئر سطحي و تارّة صورة لأم تطبق على ضوء الشمعة و غيرها ، و كأنّ الحلول دائما بين أيديهم ، كأنّ الدمع محرّم عليهم ، فيا عالم عربي و غربيّ و يا أمم متحدة لا تتعجّلي ، فهم خارقون فوق العادة و لا يملّون من اعادة يومية لافعال عنوانها الشقاء!
نحن العرب خياليون في طبعنا عندما نريد أن نوصف تحمّلنا و انتصاراتنا حتى تلك "الآنية"، هذا الكبرياء قد ينفع بشكل مؤقت ، لكن على أرض الواقع، الناس قد تعبت، الناس قد هلكت ، الناس قد مسّها الجوع و العطش ، حتى أصبحت جلود الاطفال حلبات مصارعة للحشرات ، كلّ هذه المعاناة قد نلخّصها بكلمة " أبطال" بينما هم قد ملّوا البطولة و ينادون " بدي أرجع عبيتي " .
الرومانسية التي نتناول نحن العرب بها حاضرنا و مآسينا ليست جديدة ، فكم في التاريخ من عثرات غطّيناها بالنصر ، و كم من حروب و معارك صدحت اصوات النصر بها لتغطّي على صيحات الفشل.
"البطولة تُكتب بعد الحرب " البطولة لا تكتب على شعبٍ و هو تحت الحصار و الظلم و القهر و الكبت ، البطولة لا تعطى لمتسابق قبل أن يصل لشريط النهاية ، و الميدالية لا توضع في عنقه بينما يركض في المضمار.
نحن ساهمنا بشكل و آخر في تمييع الكارثة ، ساهمنا عبر لاوعيّ غير ناضج يصوّر الضحية على أنّها من الحديد لا تُكسر ، أهل غزة هم أبطال لكن الآن ليس وقت الاوصاف و التخدير ، يكفي ما يفعله الاعلام ، فصاروخ يخرج من غزّة تضج وسائل الاعلام برشقات تضرب تل أبيب ، لكن تناول الاعلام لها يعمل على تضخيم أثرها عند العدو المجرم و بالتالي تضخيم الانتقام و ردّ الفعل ، فمغفّل من يظنّ أن تل أبيب لا تشعر بالغيرة و القهر كطفل هُزم في لعبة شطرنج !
أهل غزة هم معنى البطولة ، لكن الآن وقت المساعدة ، وقت التركيز على دعمهم و ليس الخروج و الهتاف من اجلهم ، فلو كان في المريخ بشر لسمعوا صوت الشوارع التي خرجت من أجل غزة ، الآن وقت الدعم الحقيقي ، فهم بشر مثلنا يتألمون و اوجاعهم بالحزن مضاعفة...