خطيرٌ جداً هذا الذي جرى أخيراً في مصر فاستهداف الأقباط على هذا النحو، مع أن هذه ليست المرة الأولى, يشير إلى واقع لخصه أحد كبار المسؤولين في العهد الجديد بقوله:»إن مصر غدت أمة منقسمة على نفسها» وهذا يعني إن لم تكن هناك وقفة جادة وحاسمة إن البلاد ذاهبة إلى الفوضى العارمة وربما إلى الحرب الأهلية التي كثُرت التحذيرات منها وتلاحقت حتى قبل ثورة الشبان وظاهرة ميدان التحرير في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي.
والمشكلة بالنسبة لمصر أن هذا الذي حصل جاء بينما يسود إحساس عام، بالإمكان لمسه في كل مكان, بعدم وجود جهة مسؤولة تتولى ضبط الأمور وتضع حدّاً لاستشراء الفوضى فالحكومة تتصرف وكأنها حارس البستان (خيال المآتى) وكأنها «شاهد ما شافشي حاجة» والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي من المفترض أنه صاحب الولاية والمسؤول عن كل هذا الذي يجري لا يزال يخضع لمزاج الشارع ولا يزال يخشى من سطوة ميدان التحرير.
في كل يوم تحدث تعديات على مراكز الأمن وفي كل يوم تتلاحق الإقصاءات الكيدية في كل مؤسسات الدولة في الجامعات وفي الصحف والهيئات الإعلامية كلها والخطير أن هناك إحساساً لدى كل الأوساط بأنه لم تعد هناك هيبة لا للسلطة ولا للقوانين ولا لأجهزة الأمن وهنا فإن الخوف كل الخوف هو أن تتفاقم الأمور أكثر وأكثر وأن تتسع هذه الدائرة لتشمل حتى القوات المسلحة التي تحظى باحترام الجميع والتي يعتبر المس بها من المحرمات.
يوم أمس الأول تنادى ممثلوا شبان ميدان التحرير إلى اجتماع أخطر ما فيه أنه قرر وضع دستور جديد للبلاد وكأن هؤلاء قد حلّوا محل المؤسسات التشريعية وكأن الدولة لم تعد قائمة وكأن مصر قد بدأت تاريخها في الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي وليس قبل سبعة آلاف عام وكأن ميدان التحرير يجب أن يجُبَّ ما قبله وكأنه لا بد من العودة إلى نقطة الصفر.
وهذا يعني انه إن لم يجرِ تدارك الأمور بسرعة ووضع حدًّ لهذه الفوضى ليست الخلاَّقة وإنما المدمرة فإن البلاد ذاهبة إلى الإفلاس والانهيار لا محالة وهذا ليس رأياً شخصياً وإنما هو انطباع بات يتحدث به كبار المسؤولين وكبار الكتاب والصحافيين وكبار قادة الرأي العام فبالإضافة إلى غياب المؤسسات وغياب هيبة الدولة هناك الانهيار الاقتصادي الذي بلغت خسائره خلال الشهور الثلاثة الماضية نحو سبعين مليار جنيه من بينها نحو مليار دولار شهرياً بالنسبة لقطاع السياحة وحده.
إنه لاشك في أن ظاهرة الثورات العربية هذه هي أنبل ظاهرة عرفها العرب منذ ألف عام وأكثر لكن حتى لا تتحول هذه الظاهرة إلى كارثة فإن هيبة الدولة إن بالنسبة لمصر وتونس وإن بالنسبة للدول المعنية الأخرى يجب أن تبقى حاضرة والمقصود هنا هو ليس القمع بل القوانين النافذة إذْ عندما تغيب القوانين وتغيب المؤسسات فإن شريعة الغاب تصبح هي البديل وحقيقة أن هذا هو الذي دفع كبار المسؤولين وكبار المفكرين الذين يصنعون الرأي العام في مصر إلى دق نواقيس الخطر والتحذير من :»أن مصر غدت أمة منقسمة على نفسها وان ما جرى في إمبابة يدل على أن الحرب الأهلية غدت قادمة على الطريق»!!
(الرأي)