من الطريف أن نتساءل: هل يمتلك الناخب الأردني تلك القدرة الخارقة التي تمكنه من تحليل صورة المرشح الانتخابية، ليستطيع من خلالها التنبؤ بأداء هذا المرشح في المجلس النيابي؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فإن الأردن سيكون حتماً أول دولة تُدرج "علم الفراسة" في منهاجها الدراسي، ليصبح المواطنون خبراء في تحليل ملامح الوجه بدلاً من السياسات والبرامج.
عندما تتجول في شوارع المدن الأردنية، تجد صور المرشحين تملأ الأرجاء، وتتنوع بين الجدي والمتفائل، وبين الذي ينظر بعين الصقر والآخر الذي يبتسم بسماحة وكأنه يقول: "أنا لكم، فقط انتخبوني". لكن، هل يمكن فعلاً لملامح الوجه أن تعكس مدى كفاءة الشخص وقدرته على تمثيل الشعب تحت قبة البرلمان؟
لنتخيل مثلاً أن الناخب الأردني يتمتع بقدرة عجيبة على قراءة ملامح الوجه. ها هو يقف أمام صورة أحد المرشحين، ينظر بتمعن ويقول في نفسه: "أوه، تلك التجاعيد حول العين تدل على الحكمة، بينما تلك الابتسامة نصف المرسومة تعني أنه بارع في الدبلوماسية. هذا المرشح بلا شك سيكون نجما في البرلمان ، ولكن ماذا لو كانت تلك التجاعيد نتاج قلة نوم أو عبء سنوات من الكدح؟ .
إذا كان الناخبون فعلاً يمتلكون هذه القدرات الخارقة فالانتخابات ببساطة أشبه بمسابقة ملك جمال البرلمان. وفي هذه الحالة، ربما سنرى المرشحين يتنافسون في نشر صورهم من زوايا معينة، وبإضاءات محسوبة، ليبرزوا تلك الملامح "القيادية" أو "الجادة" التي يفترض أن تقنع الناخبين بجدارتهم.
الواقع يقول أن الناخب الأردني، رغم درامية المشهد ، فالناخب يعلم جيدًا أن صورة المرشح ليست أكثر من واجهة. فالملامح قد تخفي خلفها عقلاً لامعًا أو مجرد وجه وسيم، لكن الصورة وحدها لا تسعف الناخب في تحديد كفاءة المرشح. ولذلك، فإن الاعتماد على الصورة دون البحث في خلفية المرشح وإنجازاته وأفكاره هو أشبه ما يكون بشراء كتاب بناءً على غلافه فقط، دون قراءة في محتوياته.
من المؤسف أن نجد بعض المرشحين يروجون لأنفسهم عبر الصور فقط، وكأنهم يقولون: "صوتوا لي لأني أبدو جميلا في البوستر وهنا يظهر الخطر في استغلال الفطرة الإنسانية التي تميل إلى الحكم على المظهر الخارجي، بينما يُترك المحتوى الحقيقي للصدفة. ولكن إذا كان الناخب الأردني واعيا فسيعرف أن صورة المرشح لا تغني عن قراءة برامجه، ومعرفة آرائه في القضايا التى تعرض عليه القضايا الوطنية وخلافها .
وعليه، فإن الناخب الأردني، إن كان يبحث عن ممثل حقيقي له في البرلمان، يجب ألا ينخدع بمظهر المرشح أو بلاغته أمام الكاميرات، بل عليه أن يغوص في تفاصيل أكثر أهمية؛ مثل توجهاته السياسية، برنامجه الانتخابي، وسمعته بين الناس. فهذه الأمور، وليست ملامح الوجه، هي التي ستحدد مدى نجاح المرشح في تمثيل الشعب تحت قبة البرلمان.
في النهاية، على الناخبين أن يتذكروا دائمًا أن البرلمان ليس مسرحا لتقديم العروض الدرامية، بل هو مكان لصنع القرار. لذا، دعونا نترك علم الفراسة لأصحاب الاختصاص ونركز على ما هو أكثر أهمية: العقول والبرامج، وليس الوجوه والابتسامات.