تشكيل المحكمة الدستورية الأردنية
د.اكرم مساعدة
27-08-2024 02:08 PM
تقديم :
لم تكن فكرة إنشاء المحكمة الدستورية الأردنية وليدة العام 2011 وقت إجراء التعديلات الدستورية آنذاك، بل كانت فكرة قديمة ربما قبل العام 2000، وكانت هذه الفكرة تتراوح ما بين مؤيد ومشجع لقيام المحكمة، ومعارض ناقد لقيامها.
كان المؤيدون يرون أن انشاء المحكمة الدستورية - وفقاً للمفهوم السائد - أنها ستكون الحصن الحصين للدستور، والمحافظة على سلامة تطبيقه، والجهة التي ستزيح أي غموض أو جهالة تعتور نصوصه، عدا أنها ستكون مؤسسة سياسية قضائية تشكل منعطفا هاماً في تاريخ الحياة السياسة الديمقراطية والقانونية والقضائية في الاردن واما المعارضون فكانوا يرون ان المجلس العالي لتفسير الدستور مؤسسة مقتدرة، وتقوم بمهام المحكمة الدستورية وتغني عنها، عدا عن انهم يرون ان المحكمة الدستورية ستحتاج لكفاءات وخبرات لم تعد تنضج في البيئة التشريعية والقانونية والقضائية الاردنية. ولكن مع هبوب رياح ما سمّي بالربيع العربي، ومع استباق النظام السياسي الاردني لأي ارتدادات لذلك الربيع، كان من بين ما استهدفته الارادة السياسية بقيادة الملك، انشاء المحكمة الدستورية ضمن التعديلات الدستورية للعام 2011، وتم انشاء هذه المحكمة، حيث نُص عليها في الفصل الخامس من الدستور، واحتلت المواد من 58 - 61 منه. وصدر تبعاً لذلك قانونها رقم 15 لسنة 2012، الذي تم العمل به اعتباراً من 6-10-2012.
كنت في مقالة سابقة تطرقت لإنشاء هذه المحكمة، وما انجزته، وما هو المطلوب منها انجازه وعلى ضوء ما بحثت، وجدت انه لكي تقوم هذه المحكمة بالدور المنوط بها، فانه لابد من تعديل دستوري يَطَالُ اختصاصاتها وآلية الوصول اليها، وتوسيع مساحة الطعن امامها، وما يترتب على ذلك من اجراء تعديلات على قانونها وفي هذه العجالة فإنني اتطرق لمسالة هامة خلط البعض في تفسيرها وهي تشكيل المحكمة الدستورية.
قبل أن اتطرق إلى تشكيل المحكمة الدستورية الأردنية، لابد ان اذكر في عجالة ان نظام الرقابة على دستورية القوانين نهج شكلين مختلفين، كان الهدف الأساسي منهما مشتركا وهو المحافظة على النص الدستوري وابطال ما يخالفه من قوانين وأنظمة، فالشكل الأول كان تشكيل هيئة قضائية تسمى المحكمة الدستورية. وأما الشكل الثاني فكان تشكيل مجلس دستوري يقوم بالمهمة ذاتها، وان كان قيام هذا المجلس يختلف في الغاية قليلا عن المحكمة.
في امريكا ومنذ اعلان القاضي مارشال حق الرقابة القضائية على دستورية القوانين استناداً للمادة الرابعة من الدستور الأمريكي، وترسيخه واقعا في قضية ماربوري عام 1803، فقد بدأت المحكمة العليا تنعقد في شكل محكمة دستورية انطلاقا من مبدأ مفاده أن القانون المخالف للدستور باطل، وان المحاكم وبقية اجهزة الحكم ملزمة بهذا التدبير. وتستند المحكمة في قيامها الى المادة الثالثة من الدستور الفدرالي. وتتألف المحكمة الآن من رئيس وثمانية قضاة يعينون مدى الحياة. وقد شكلت هذه المحكمة عام 1789 ، وانعقدت لأول مرة في العام 1790.
واما في فرنسا فان فكرة الرقابة على دستورية القوانين بدأت مع فكرة قيام الثورة الفرنسية عام 1789 ، وابتدأت من خلال تشكيل لجان دستورية، وكانت الولادة الأولى لمجلس الدولة الفرنسي عام 1958. ويتشكل هذا المجلس من تسعة قضاة واعضاء آخرين سياسيين، وهم رؤساء الجمهورية السابقين.
واما في المانيا، ووفقا لقانونها الصادر في مارس 1951 فان المحكمة الدستورية الاتحادية تتكون من دائرتين، ولكل دائرة ثمانية قضاة، ويتم اختيار ثلاثة قضاة من كل دائرة من القضاة العاملين في المحاكم العليا في جمهورية المانيا الاتحادية.
في العالم العربي تقوم بصلاحية الرقابة على دستورية القوانين هيئة على شكل محكمة وكما هو الحال في العراق والامارات العربية والبحرين والكويت او على شكل مجلس كما هو في لبنان والمغرب والجزائر قبل ان يصبح محكمة تحويله إلى محكمة. وقد اخذ المشرع الاردني بشكل المحكمة الدستورية، ومازج بين التشكيل القضائي وغير القضائي في اعضائها، بأن قسم مكونها الى فئتين: الفئة الأولى الفئة القانونية والفئة الثانية فئة المختصين.
تشكيل المحكمة الدستورية
تنص المادة 58 أ من الدستور على: -
" تنشأ بقانون محكمة دستورية يكون مقرها في العاصمة وتعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، وتؤلف من تسعة قضاة على الأقل من بيهم الرئيس يُعينهم الملك "
وتنص المادة 61 من الدستور بعد تعديلها بتاريخ 2022/1/31 على:
1- يشترط في عضو المحكمة الدستورية ما يلي: -
أ - أن يكون أردنيا ولا يحمل جنسية دولة أخرى.
ب- أن يكون قد بلغ الخمسين من العمر.
ج- أن يكون ممن خدموا قضاة في محكمة التمييز أو المحكمة الإدارية العليا، أو من اساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الاستاذية، أو من المحامين الذين امضوا مدة لا تقل عن عشرين سنة في المحاماة، ومن المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الاعيان.
وتنص المادة 5 من قانون المحكمة الدستورية رقم 15 لسنة 2012 على:
أ- يُعيّن الملك الرئيس والاعضاء لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد مع مراعاة ما يلي:
1- عند نفاذ احكام هذا القانون يُعين في المحكمة تسعة اعضاء من بينهم الرئيس.
2- يعين ثلاثة اعضاء في المحكمة كل سنتين من تاريخ تعيين الاعضاء المنصوص عليهم في البند (1) من هذه الفقرة.
ب- إذا غاب الرئيس ينوب عنه العضو الأقدم خدمة في المحكمة وعند التساوي في اقدمية الخدمة ينوب العضو الاكبر سنّاً.
وتنص المادة 6 من القانون ذاته بعد تعديلها بالقانون رقم (22) لسنة 2022 على:
أ- يشترط فيمن يعين عضوا في المحكمة ما يلي:
أ- ان يكون اردنياً ولا يحمل جنسية دولة اخرى.
ب- ان يكون قد بلغ الخمسين من العمر.
ح- ان يكون من أي من الفئات التالية: -
اولاً: ممن خدموا قضاة في محكمة التمييز أو الإدارية العليا.
ثانيا من اساتذة القانون في الجامعات الذين يحملون رتبة الاستاذية.
ثالثا: من المحامين الذين امضوا مدة لا تقل عن عشرين سنة في المحاماة.
رابعاً: من المختصين الذين تنطبق عليهم شروط العضوية في مجلس الاعيان.
وبموجب التعديلات فقد تم استبدال عبارة العدل العليا بالمحكمة الادارية العليا) كما استبدلت مدة خدمة المحامي لتصبح ( عشرون سنة بدلا من خمس عشرة سنة، وحذفت في الفقرة "ب "كلمة أحد بحيث اصبحت "ومن المختصين "
نقول ابتداء ان عدد أعضاء المحكمة يجب ان لا يقل عن تسعة اعضاء دون تحديد حد أعلى لهذا العدد. ومن هذه النصوص يتبين ان المحكمة ابتدأت بتشكيل معين ، واستمرت بتشكيل معدل له، فوفقاً للمادة 59 من الدستور فقد تم تشكيل المحكمة من تسعة اعضاء من بينهم الرئيس، وابتدأ عمل هذه التشكيلة اعتبارا من تاريخ 2012/10/6 ، ووفقا لأحكام المادة "5" من قانون المحكمة الدستورية ، فقد تم زيادة اعضاء هذه المحكمة إلى أن أصبح في العام 2016 الى خمسة عشر عضواً، وبالطبع هذا العدد لن يتكرر مستقبلاً في ضوء النصوص الحالية ويظهر أن تشكيل المحكمة سيبقى على الحد الأدنى وهو تسعة أعضاء، وهو ما عليه الآن ولأن مدة العضوية حسب النص الدستوري (المادة 59 ) ست سنوات فقد غادر التسعة اعضاء الذين عينوا بتاريخ 2012/10/6 المحكمة ، وعين اعتبارا من 2018/10/6 رئيس جديد وعضوان ليصبح عدد اعضاء المحكمة مع رئيسها عشرة.
وبذلك فان عضو المحكمة الدستورية يُعيّن في الاصل لمدة ست سنوات حسب نص المادة 2/58 من الدستور والمادة 15 من قانون المحكمة.
ولكن ما هو الحال إذا ما افتقد أحد اعضاء المحكمة عضويته لأي سبب من الاسباب الواردة في المادة 21 من قانون المحكمة؟ هنا نحتكم لنص المادة 258 من الدستور التي حددت مدة العضوية بست سنوات، فان صدرت الارادة الملكية مشيرة للمادة المذكورة في متنها فان مدة العضوية للعضو المعين تكون ست سنوات ولا اجتهاد في ذلك وبغض النظر إذا جاء تعيين بسبب نقص طارئ على أعضاء المحكمة أو التعيين ابتدأ، وكذا الامر اذا صدرت الارادة الملكية استنادا للمادة /5/ أ من قانون المحكمة والتي تنص على " يعين الملك الرئيس والأعضاء لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد ... الخ، وهذا ما حدث عند تعيين معالي السيد محمد ذويب خلفاً لمعالي المرحوم مروان دودين عند وفاته رغم أن مدة خدمة المرحوم مروان دودين لم تكن منتهية واستمرت عضوية معالي محمد ذويب لست سنوات، فما دام أن الإرادة الملكية استندت إلى المادتين المذكورتين، فان مدة التعيين تكون ست سنوات ولا مراء في ذلك.
واما إذا استندت الإرادة الملكية إلى المادة 22 من القانون التي نصها "إذا انتهت أو أنهيت عضوية العضو في المحكمة، فيتم تعيين عضو بديل لإكمال المدة المتبقية من عضويته في حال نقص عدد الهيئة العامة عن تسعة أعضاء. وهنا يتطلب تطبيق النص ان يطرأ عارض بأحد اعضاء المحكمة يمنعه من الاستمرار في عمله فيتم تعيين خلف له لإكمال مدة خدمته، وهذه الحالة تكون في حالة ما إذا نقص عدد اعضاء المحكمة عن تسعة اعضاء في حال قيام العارض المذكور. وهذا ينطبق على الرئيس الحالي السيد محمد المحادين الذي تم تعيينه خلفاً لمعالي هشام التل لمرضه.
ولكن هل يمكن لعضو المحكمة الدستورية ان يستمر في المحكمة عضواً أو رئيسا لأكثر من ست سنوات؟؟
وجوابي على ذلك ان العضو الذي يُعيّن رئيسا او عضوا في المحكمة يجب ان لا تزيد مدة خدمته فيها عن ست سنوات متصلة بغض النظر عن تغيير صفته فيها.
وهل يجوز لعضو سابق خدم ست سنوات وانتهت خدمته أن يُعين عضوا أو رئيسا مرة اخرى ما دام انه انقطع عن الخدمة في المحكمة بعد المرحلة الأولى
هنا اقول ان التجديد او التمديد يختلفان عن التعيين. فالتجديد يعني أن يضاف مدة لاحقة مساوية لمدة الخدمة السابقة فور انتهائها، وأما التمديد فهو زيادة المدة الأصلية (مدة إضافية) ليصبح المجموع أطول من المدة الأصلية وكلاهما غير واردين إطلاقاً لرئيس أو عضو المحكمة الدستورية زيادة عن الست سنوات، وفقاً لأحكام الدستور والقانون ولكنني لا أرى ما يمنع أبداً تعيين من خدم في المحكمة عضواً أو رئيساً مدة ست سنوات في وقت سابق ثم تلا ذلك فترة انقطاع بين الفترتين أن يُعيّن مرة أخرى، لأن هذا لا يعتبر تمديداً أو تجديداً، ولو قصد المشرع الدستوري منع العضو العودة للتعيين ثانية لأورد عبارة تمنع ذلك كعبارة " يُعيّن العضو لمرة واحدة " مثلاً. وبرأيي أن تعيين رئيس للمحكمة أو عضو ممن سبق وخدم فيها وتلت خدمته فترة انقطاع هو إثراء للمحكمة بسبب التجربة التي مرّ بها قبل فترة انقطاعه.
وحول ما حدث مؤخراً عندما اقتصر عدد أعضاء المحكمة بما فيهم الرئيس على تسعة وغياب الرئيس معالي هشام التل لعارض مرضي، فإن غياب الرئيس خلال الفترة من أوائل الشهر السابع من عام 2022 وحتى 2023/05/28 ، لم يؤثر على تشكيل المحكمة وفقاً لنص المادة (5 /ب) من قانون المحكمة التي تنص على: "إذا غاب الرئيس ينوب عنه العضو الأقدم خدمة في المحكمة وعند التساوي في أقدمية الخدمة ينوب العضو الأكبر سناً". والغياب للمرض أو الإجازة أو أي عارض آخر لا يخلي بالطبع مكان العضو في المحكمة سواء كان رئيساً أم عضواً بخلاف إذا ما نقص العدد عن الحد الأدنى تسعة أعضاء) لانتهاء الخدمة بسبب الوفاة أو المرض أو ما شابه، فعندئذ تنتهي عضويته وتصبح المحكمة غير سليمة في تشكيلها، مما يستوجب تعيين خلف لهذا العضو حتى تعود المحكمة لتشكيلها السليم وكما حدث بعد تعيين رئيس خلفاً لمعالي هشام التل بعد تقديمه استقالته، حيث تم تعيين أحد الأعضاء رئيساً وتعيين عضو جديد ليصبح عدد أعضاء المحكمة بما فيهم الرئيس تسعة أعضاء.
وأختم بالقول أن هذه المحكمة ولدت كبيرة بإرادة ملكية سامية وآمل أن تبقى بهذا الحجم.