التمرين الأول: الانتخابات البرلمانية وما بعدها
د. محمد بزبز الحياري
27-08-2024 11:10 AM
مقال من جزأين، الأول قبل الانتخابات البرلمانية والثاني بعدها، ان كتب الله لنا عمرا.
ما قصدته بالعنوان هو ان هذه الانتخابات هي التمرين العملي الاول للأحزاب بعد اقرار التعديلات الدستورية الذي تم قبل عامين.
الملاحظ على الاحزاب بعد اقرار الاصلاحات الدستورية ولغاية الان:
- المتوالية الحسابية حول تكاثر الاحزاب، وهذا متوقع في ظل البحث عن موطيء قدم بالمشهد للاشخاص ورؤوس الاموال والبرامج الحزبية الهلامية الانشائية المنفصلة عن الواقع السياسي والاقتصادي واظنني هنا لا استثني حزبا، سوى واحد او اثنين.
- قلة الخبرة السياسية والاجتماعية وفجاجتها وسطحيتها لبعض الامناء العامين للاحزاب، ومغامرتهم باقتحام هذا المجال دون امتلاك ادواته الصحيحة ، ثم عدم السماح لمن يمتلكون هذه الادوات بالتقدم خوفا من اهتزاز مكانتهم وتحصينا لها.
- الاستقطاب العشوائي في الانتساب للاحزاب بالهدف الكمي دون البحث النوعي، وذلك لمجرد تعزيز الناتج الرقمي للحزب.
-صعوبة صهر هؤلاء المنتسبين ليصبحوا لونا واحدا( لون الحزب المفترض) وهذا يرتبط ارتباطا وثيقا بالاستقطاب العشوائي سالف الذكر الذي ادى للتآكل والتهالك الداخلي للكثير من الاحزب.
-هذه العشوائية انسحبت ايضا على التنظيم الداخلي للاحزب ومكاتبها فتجد تشكيل المكاتب التنفيذية والمركزية بدون اسس واضحة، بل هي اعطيات لارضاء فلان وعلان، حتى ان اعضاء هذه المكاتب لايعرفوا بعضهم بعضا وليس لديهم ادنى فكرة عن طبيعة واجباتهم المنوطة بهم .
-تجد ايضا ان الكثير من الاحزاب عند تشكيلها لمكاتبها السياسية، وهو اهم مكتب بالحزب ومطبخ قراره ، لا يوجد بينهم اي عضو مشهود له بالعمل والخبرة السياسية، او حتى كتابة مقال سياسي واحد، انما الفيصل بالتمثيل هو مدى توافق هؤلاء الاعضاء لمزاج الشخص الاول ،وعدم معارضتهم وانتقادهم لطروحاته .
-لا نضيف شيئا جديدا ان قلنا ان الكثير من الاحزاب، خصوصا التي برزت مؤخرا تعاني من تفرد الشخص الواحد، خصوصا اذا كان صاحب ملاءة مالية عالية ومتكفل بمصاريف الحزب ، ولسان حالهم يقول "مادام انا اصرف فأنا اقرر" والعجيب ان تجد حوله من يتماهوا مع هذه الحالة ويرضخوا للغة المال عن يد وهم صاغرون، ويصيغوا له من تفويض السلطات والتعظيم ما يطربه ويحلق به عاليا في عالم الاعجاب بالنفس والوهم الزائف.
-أجزم ان لولا خصص القانون ٤١ مقعدا للاحزاب ، لن تتمكن هذه الاحزاب ( باستثناء حزب او حزبين فقط) بوضعها الحالي احراز اي مقعد ، اذا ما جردنا الامتداد العشائري للمرشحين.
-اختراقات الاحزاب لبعضها تظهر بشكل صارخ، ومن اطرف ما لاحظت ان قيادات بعض الاحزاب، تدعو سرا وعلنا لانتخاب مرشحين من احزاب اخرى، واتضح ان لديهم المبررات الكافية لذلك، كون احزابهم لم تستطيع هندسة قوائم مرشحيها بالشكل الصحيح ومن غير دراسة دقيقة للمشهد ، والمعرفة الضحلة والفجة بالواقع السياسي والاجتماعي على الارض ، ثم ضعف الانتماء والولاء الحزبي لتلك القيادات، الذي ادى بالتالي لاحزابهم بالوصف بأنها منفصلة عن الواقع شيئا فشيئا وقد يؤدي بالنهاية لاضمحلالها وخروجها الكلي من المشهد.
-قال احد المرشحين متباهيا انه دفع لغاية الان مليون دينار تكاليف حملته الانتخابية ، فسأله احد الحضور بعفوية تامة ، هل دفعت هذا المبلغ انت وحزبك لتخدمني وتخدم المواطنين؟ ورغم عفوية السؤال، الا انه كان من العمق والصدق بمكان ان تلعثم المرشح ولم يستطع الاجابة بشكل واضح.
-هذا غيض من فيض والنتائج الاولية للتمرين تثبت ان مشوارنا مع الديمقراطية( والحزبية تحديدا) ما زال طويلا ،وطويل جدا ، فالثقافة السائدة سواء للحكومة او الدولة بشكل عام ما زالت ثقافة عشائرية قبلية وان كانت تحت عناوين براقة وجذابة، تدغدغ العواطف ولا تخاطب العقول وفارغة المضمون وبدون استراتيجية وخطوات عملية مقنعة لتحقيقها، ونامل ان يتم تصحيح المسيرة اولا باول.