حين يصبح الشرف أثقل من الميداليات
محمود الدباس - ابو الليث
26-08-2024 02:27 PM
في سباق ترياثلون أقيم في إسبانيا.. كان البريطاني جيمس تيغل على وشك تحقيق المركز الثالث قبل أن يتخذ مساراً خاطئاً وهو على بعد أمتار قليلة من خط النهاية.. الجميع كان يترقب النهاية.. وكان الإسباني دييغو مينتريدا خلفه مباشرة.. عندما لاحظ الخطأ الذي ارتكبه تيغل.. كان بإمكانه أن يستغل الفرصة ويحقق المركز الثالث دون عناء.. لكنه توقف منتظراً منافسه ليعود إلى طريقه الصحيح ويصل إلى خط النهاية قبله.. عندما سئل مينتريدا عن سبب فعلته.. قال ببساطة.. "أين شرف الفوز؟!.. كيف أستطيع أن أقابل والدتي وأنا أحمل ميدالية لم أستحقها؟!"..
هذه القصة تروي درساً عميقاً في الأخلاق.. فهي ليست مجرد لحظة عابرة في سباق.. بل هي انعكاس لما يجب أن نكون عليه في كل منافسة نخوضها.. إن تحقيق الفوز.. لا يجب أن يكون بأي ثمن.. وإن استغلال أخطاء الآخرين ليس سوى انتصار زائف.. لا يجلب لصاحبه سوى الشعور بالذنب والفراغ..
ونحن اليوم في خضم الانتخابات النيابية.. نرى بعض المرشحين يستغلون هفوات منافسيهم بشكل فج.. يحاولون تضخيمها وتحويلها إلى محاور انتخابية لكسب الأصوات.. ولكن الحقيقة أن هذه الأساليب لا تعكس قوة المرشح أو قدراته.. بل تكشف عن ضعف أخلاقي يضر بالمجتمع بأسره.. فالانتخابات ليست مجرد معركة للحصول على منصب.. بل هي اختبار لنزاهة المتنافسين.. وصدقهم أمام أنفسهم.. وأمام الناس..
وللأسف.. لا يقتصر استغلال هفوات الآخرين على السياسة فقط.. بل يمتد إلى ميادين العمل.. والحياة الاجتماعية.. ففي بيئة العمل.. نجد من يتربصون بزملائهم.. ينتظرون أخطاءهم ليتسلقوا على أكتافهم.. ويحققوا ما لا يستحقونه.. وفي الحياة الاجتماعية.. يختبئ البعض خلف لحظات ضعف الآخرين ليبنوا علاقات على أسس من المكر والخداع.. لكن هذه النجاحات الزائفة لا تدوم.. لأن الاحترام الحقيقي.. لا يُبنى على أنقاض الآخرين..
إن الفوز بشرف.. هو ما يجب أن نسعى إليه في كل جوانب حياتنا.. لأنه بينما قد يمنحك استغلال أخطاء الآخرين تقدماً مؤقتاً.. فإن الثقة والاحترام اللذين يأتيان من التفوق الحقيقي هما اللذان يبقيان.. وكما قال مينتريدا: الشرف ليس في الوصول إلى القمة بأي ثمن، بل في الوصول إليها بقلب نقي وعقل صادق ونبل المنافسة.