من يضمن عودة القيادة الفلسطينية الى الضفة إذا وصلت غزة
كمال زكارنة
26-08-2024 01:03 PM
طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس مبادرة وطنية يقوم بموجبها هو وجميع اعضاء القيادة الفلسطينية بالتوجه الى قطاع غزة ،والتواجد هناك بين ابناء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب ابادة جماعية للشهر الحادي عشر على التوالي .
مبادرة مقدرة ومن واجب القيادة ان تكون بين شعبها ومعه في كل الظروف والاوقات،لكن السؤال المهم ،من يضمن عودتها الى الضفة الغربية اذا دخلت غزة،السؤال ليس خوفا على حياة القيادة لاسمح الله،وانما عن سماح حكومة نتنياهو لها من عدمه بالعودة الى الضفة الغربية،واجبارها على البقاء في قطاع غزة ،ضمن خطة الحكومة الاسرائيلية المطروحة حاليا ،التي تقوم في جوهرها على تفريغ الضفة الغربية من السكان الفلسطينيين وترحيلهم الى قطاع غزة ،حيث تتضمن الخطة انهاء الحرب على غزة بالتزامن مع انهاء السلطة في الضفة، والقضاء على اي مظهر فلسطيني يشير الى وجود شعب فلسطيني يمتلك الحق والشرعية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
هذه المسألة يجب ان تؤخذ بالمزيد من الحذر والدراسة ،وان تظاهرت الحكومة الاسرائيلية بمعارضة المبادرة والاعلان بعدم السماح بها ومعارضتها،ولدى القيادة الفلسطينية تجربة مريرة مع الاحتلال عمرها اكثر من ثلاثة عقود ،وحكومة نتنياهو تحديدا ،وجميع حكومات الاحتلال ،لا يؤتمن جانبها ،لانها لا تلتزم بوعود ولا عهود ولا اتفاقيات ،وسرعان ما تتراجع وتنقض التزاماتها وعهودها وهذا مبدأ اساسي في عقيدتها وفي سلوكها العام.
كل الاتفاقيات التي نسفها الاحتلال ووأدها ولم يلتزم بتنفيذها ،كان لها ضمانات دولية واقليمية ،بمعنى حتى لو رافقت القيادة الفلسطينية وفود عربية ودولية وحصلت على ضمانات من مؤسسات دولية مثل الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي ودول عظمى بتسهيل مهمة الوصول الى غزة والعودة الى الضفة،فان حكومة الاحتلال لن تلتوم بذلك اذا كان لديها نوايا سيئة ومبيتة.
خطة الاحتلال تقضي باستمرار الضغط العسكري على المقاومة في غزه لتدمير أقصى ما يمكن تدميره من قوتها وهيكليتها واستنفاذ مخزونها وقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين بشكل عام لتأليب الرأي العام الداخلي عليها، والتركيز بشكل خاص على الحاضنة الشعبية لها بقتل وتحييد كل المناصرين والمؤيدين وعائلاتهم لتسهيل ادارة غزة خلال المرحلة التالية للحرب.
تستمر المفاوضات خلال هذه الفترة بالتزامن مع الضغط العسكري الهائل وذلك لامتصاص غضب الرأي العام العالمي وضمان عدم حدوث أحداث كبرى بالمنطقة.
وتسعى حكومة الاحتلال خلال هذه المفاوضات وبمعاونة أمريكية وضغط من الشركاء لاسترداد الاسرى الاحياء من غزة من خلال هدنة محدوده مؤقتة، والعمل على استرداد جثث الاسرى والبحث عن الانفاق لتدميرها وعدم السماح لكل من يخرج الى غزه بالعودة الى الضفة حيث يمكن فقط الموافقة على اجراءات لم شمل لنقل العائلات والأسر الى غزة مما يساعد في تفريغ الضفة.
وتتضمن الخطة الاسرائيلية تسهيل اجراءات انتقال رجال الاعمال الفلسطينيين والكفاءات والعمال وعائلاتهم من الضفة الى غزة وذلك للاستفادة من مشاريع اعادة الاعمار وفرص العمل الجديدة خصوصا مع الاجراءات العقابية في الضفة التي ستساعد على انتقال السكان الى غزة وكل من يخرج سوف يكون رجوعه شبه مستحيل فهو أشبه بطريق بمسار واحد، وسوف تشجع امريكا والشركاء على التركيز بالمشاريع الخاصة بالجمعيات والمؤسسات ذات الطابع الليبرالي وذلك لعمل برامج تنموية وتربوية وفكرية ونقل الكوادر والنخب الليبرالية من الضفة والقدس للعمل على هذه البرامج وانجاحها لاختراق قاعدة التشدد الحالي على جد زعمها، وارساء جو من الانفتاح والحريات الفكرية ودعم وتمكين برامج المرأة وتوسيع انخراطها بالعمل في شتى المجالات وكذلك استيعاب الشباب اليافع في مؤسسات السلطة الجديدة في غزة ،وابتعاثهم في دورات تدريب لتتشكل عقلية منفتحة على الواقع الجديد من خلال الشركاء، وإن مرحلة اعادة الاعمار ستضمن تشغيل كافة عمال الداخل العاطلين حاليا عن العمل وانتقالهم وعائلاتهم الى غزة، وإن الوجود الدولي في غزه والمساعدات والمشاريع ستساعد في خلق اجواء من الرفاهية المجتمعية والقبول للسلطة الجديدة .
وبحسب الخطة فان نجاحها يتطلب اجراء تعديلات قانونية وكذلك بالمناهج الدراسية والاشراف على خطب المساجد ووسائل التواصل، حيث تم تهيئة الارضية المناسبة لذلك،كما تقول الخطة، فمعظم أئمة المساجد والمفكرين والتربويين والمؤثرين تم تحييدهم مما يتطلب تعيين آخرين يجب أن يكونوا معتدلين وغير تابعين او متعاطفين مع المقاومة وما تمثله من فكر متطرف لضمان عدم اعادة انتاجها.
وجاء في الخطة،ان كل هذه التسهيلات في غزة تغطي ما يوازيها من ضغوطات في الضفة فسيتم استغلال التركيز الاعلامي والانشغال الدولي باعادة الاعمار لتحقيق المكاسب في ضم وتفريغ الضفة وبناء وتوسيع المستوطنات لتصبح مدن كبرى ممتدة ملتفة حول المدن الفلسطينية ولا يمكن التنقل بدون موافقات مسبقة وذلك للعبور من خلال المناطق الاسرائيلية وجعل حياة الفلسطينيين أشبه بالمستحيلة.
هذه خطة الاحتلال الجديدة، التي تتطلب اليقظة والانتباه والحرص الفلسطيني الشديد في، التعامل والتصدي لجميع محاولات الاحتلال الرامية الى تحطيم الحلم الفلسطيني ونسف المشروع الوطني الفلسطيني.