من مغير الكرك لمسعر وحمام سدير
عبدالرحيم العرجان
26-08-2024 12:33 PM
اليوم نعود إلى الكرك أرض جدنا ميشع الملك العربي المؤابي البطل لنواحي ودروب ترك لنا فيها من الأثر الكثير الذي نعتز به ونضاهي به الأمم .
مغير ..
بعد أن اجتزنا الطريق على كتف سد الموجب وإتمام الصعود لبلدة المغير كنا هناك على موعد إفطارنا بظل شجرة على جانب الطريق مما ابتعناه من محل قريب لمنتجات الألبان والمخيض والجبن والزبدة والسمن مئونة لأهل البيت وخبز طابون القمح من خيرات بيادرها الخالية من المواد المكملة والحافظة وكل من مر يطرح السلام ويرحب بنا وهذا حال أهل البلد في جميع مناطقها فالضيف معزز مكرم ذو شأن كبير له من الواجب الكثير وله كل الإحترام والتقدير.
ومغير إسم جاء من صفة وجود المُغر والكهوف المعروفة بكثرتها بالمنطقة وفي الأردن هناك عدّة مناطق تحمل ذات الإسم مغير راحوب بإربد ومغير السرحان بالمفرق ومثلهم مكان آخر في فلسطين برام الله والبعض يلفظها مقير بحرف القاف.
مسعر مشرفة الوادي ..
ومنها وعبر الطريق الوحيد بين البيادر التي تنتظر موسم جديد وصلنا لبلدة مسعر التي ذكرها الرحالة النمساوي لويس موزيل 1907 م بأنها على الطريق التجاري القديم الذي مر به والذي نعبره نحن الآن إلى وادي الموجب عبر شعاب البلد بطريق يحتاج إلى مهارة عالية بالقيادة وقلب قوي عند المنعطفات الحادة الشديدة الإنحدار وجنبات الطريق الذي وسع وعُبّد حديثا لغاية شلال الدفالي حين كنا نزورها قبل سنوات وعجل الحافلة على حافة الطريق الترابي بعد اجتياز شعاب جرت المياه إليها حجارة البازلت لتبدو سيول سمراء متوقفة بين بياض.
طريق مليئ بالآثار المؤابية من مساطب زراعية ومستوطنات بشرية وحصون أحيطت بكتل بازلت شبيهة بخربة البالوع الموازية لنا بالجانب الشرقي من الطريق الرئيسي حيث وجدت المسلة التي خلدت زيارة فرعون مصر تحتمس للملك المؤابي كمشيت ابن ميشع، وقد يكون هذا البازلت سبب التسمية بمعنى ما تحرك به النار أو حسب أهل العلم أنه إسم كنعاني بمعنى التيار وهو أيضا يتوافق مع شدة تيار الشعاب عندما ينهمر ماء السماء لضيقه وشدة انحداره، وليس بالبعيد هناك أثر لمسقط ماء عظيم يتجاوز عرضه ألمئتي متر فيه من التكلسات والهوابط ما يؤكد انسياب مائه لزمن طويل قبل أن يجف وتتغير الطبيعة المعروفة بتجددها بالمكان، فكل مكان هناك يدعوا للتأمل والتفكر والبحث والدراسة ولكن للأسف إن أصحاب المراجع والموثقين مروا عليه مرور الكرام.
عين أم الخنبات ..
ومن ذلك المفترق أكملنا طريقنا هبوطا سيرا على الأقدام مرورا بالعديد من الرجوم وأبراج المراقبة المشرفة بتمركز على مجرى وادي الموجب والطرق النافذة إليه وما بينها من بيادر عبرتها قنوات إسمنتية منها ما أقيم فوق قنوات تاريخية حاملة للمياه من عين أم الخنبات التي استقينا منها وملئنا ما نقص من قِرب الماء ، وما في المكان من أثر يؤكد على أن المكان كان جنان ومزارع قبل أن يجف وتنحسر فيه الزراعة ولدفئه فهو خير مكان لزراعة أجود أنواع الجوافة.
حمام السدير، مقصد الراحة والإستشفاء ..
وبعد مسير 4 كلم وصلنا غايتنا مجرى الموجب والإستراحة في مجراه بعد ما لمسناه من حر الطريق من لهيب شهر آب اللهاب حسب المثل الشعبي.
الآن أصبح المسير بالماء أكثر متعة بين جلاميد بيضاء صقلتها المياه تأبى الثبات مع شدة سيل الشتاء تعود بتكوينها الأول إلى العصر الكامبري منذ 540 مليون عام خلت وما نبت فيه من أشجار الطرفة والأكاسيا والدفلى وما تعلق بين الصدوع من شجر النخيل التي أصبحت موئلا للشنار والقبرة والأبلق الحزين وهناك تسمع صوت تغريد القبرة والبلبل كما يمكن أن تسمع صيحات العقاب حارس المكان وهو يحوم في أعالي الجبال موطن الذئاب والوبر وفي بعض الأوقات يشاهد الضبع المخطط والقط الجبلي وآثار أقدام البدن والماعز.
مساقط تشدك للإنزلاق فيها لبحيرات مختلفت الأعماق تتطلب الحذر فمنها ما يتجاوز عمقة القامة تحت شلال قد يجبرك الخروج منه لمساعدة صديق من قوة ضغط انهماره وهنا تكون نباهة قائد الفريق بتحذير المجموعة عند كل نقطة وهو يقول انتبه لصديقك، لنكمل متعتنا بين ممرات مائية بين الصخور وصولا لحمام السدير المقصد المعروف عند أهالي لواء القصر قاطبة، مائه دافئ غني بالكبريت ينبع من بطن الجبل المتوشح بالصفار يصب عبر قناة ببركة أحيطت بحجارة دون بناء او تشذيب والمعروف بمائه المعالج لأمراض الجلد من أكزيما وحب شباب وأمراض جلديه أخرى كما يساعد في التهابات المفاصل والإلتهاب الليفي والروماتزم والنقرس المزمن كما أنه مدعاة للراحة والإسترخاء، وهناك كانت استراحتنا الأخيرة قبل العودة من نفس الطريق إلى نقطة البداية حيث أتممنا 14 كلم بمسار استجمامي سهل بسلام.
وبما أنك في ضيافة الكرك وأهلها فيجب أن يكون غدائك بعد هذا التعب طبق من التراث الأصيل وهو المنسف والذي أدرج من ضمن قائمة التراث العالمي الإنساني " اليونسكو" طلبناه من أحد المطابخ المحلية بالمغير الذي يطهيه على الأصول ويتم تناوله مع الرأس على إحدى مطلات الوادي المقابلة لبلدة المثلوثة من لواء ذيبان شقيقة شيحان من الطرف الشمالي مع شمس الغروب وهي تختفي مكملة نهارنا بين الجبال، وما حول المسار من طرق ترابية ممكن أن تؤهل لمسارات لعشاق قيادة السيارات الرباعية الدفع الدراجات النارية المخصصة للطرق البرية لما فيه من تحدي وتباين في الطبيعة وكثرة المشاهدات.