الرشاقة الذهنية: مفهوم حديث وضروري في عالم متغير
صالح سليم الحموري
26-08-2024 07:27 AM
الرشاقة الذهنية هي مفهوم حديث يشير إلى قدرة الجهاز العصبي على التكيف بسرعة مع التغيرات الداخلية والخارجية، وذلك من خلال إعادة تنظيم الخلايا الذهنية وتحسين الاتصالات بين أجزاء الدماغ المختلفة. تعتبر الرشاقة الذهنية من العوامل الأساسية التي تعزز عمليات التعلم، التكيف مع التغيرات البيئية، واستغلال الفرص من خلال التفكير الإبداعي. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم الرشاقة الذهنية، أهميتها في الحياة اليومية وكيفية تطبيقها في مجالات مختلفة.
مصطلح "الرشاقة" يشير إلى القدرة على التحرك بسرعة وسهولة، وكذلك القدرة على التفكير واتخاذ القرارات بسرعة وفعالية. هذه القدرة على التكيف السريع، وتعلم المعلومات الجديدة بمرونة، والتخلي عن أنماط السلوك القديمة بسرعة، هي عوامل حاسمة لبقاء الأفراد وتقدمهم في ظل التحديات المتزايدة.
الرشاقة الذهنية تمثل ابتكارًا في علم الأعصاب يهدف إلى تطوير المهارات التعليمية اللازمة لمواجهة المستقبل، وحماية الأفراد من فقدان وظائفهم. يركز هذا المفهوم على تحسين المكونات الذهنية المرتبطة بالتعلم والتفكير والعمليات المعرفية، مما يسمح للأشخاص بالتعلم بسرعة، وتطوير مرونة عضلاتهم العقلية للتعامل مع المواقف الجديدة والمجهدة في بيئة العمل. تعتبر هذه القدرة عاملاً حاسماً في تطوير المواهب وتحسينها، وتعد أداة تميز أساسية في عالم تنافسي سريع التغير.
تعكس الرشاقة الذهنية قدرة الدماغ على استشراف المستقبل والتكيف السريع مع المتغيرات المحيطة، سواء كانت نتيجة للتعلم أو التغيرات البيئية. تشمل هذه القدرة ابتكار حلول للتحديات التي يواجهها الإنسان والتعاون مع الآخرين، مما يساهم في تميز الفرد وتفرده. إن كل إنسان يمتلك نقاط قوة مميزة منحها الله له، ويجب عليه اكتشافها وتفعيلها. وكما قال الإمام علي بن أبي طالب: "قيمة كل امرئ ما يُحسن"، فقد منحنا الله قدرات خاصة نتميز بها عن غيرنا.
في ظل التقدم التكنولوجي السريع والتحديات العالمية مثل جائحة كورونا، التي دفعت الجميع إلى إعادة ترتيب حياتهم، لعبت التكنولوجيا والاتصالات دورًا كبيرًا في اختبار هذه القدرات. لقد أعادت التكنولوجيا تشكيل العديد من الأعمال التي كانت تُدار يدويًا، وربطت العالم بشكل غير مسبوق. تختلف الرشاقة الذهنية عن المرونة الذهنية، التي تشير إلى قدرة الدماغ على التعافي وإعادة الهيكلة بعد التلف أو الإصابة. تركز الرشاقة الذهنية على الكفاءة والسرعة في التكيف، مما يعزز قدرتنا على مواكبة التغيرات السريعة والتحديات المستجدة.
قبل أن ننبهر بقدرات الكمبيوترات التي صنعها الإنسان، يجب علينا أولاً أن ندرك إمكانيات الجهاز الأكثر تعقيدًا وتطورًا على الإطلاق: الدماغ البشري. هذا العضو الذي لا يتجاوز وزنه 1.4 كيلوغرام يحتوي على حوالي 86 مليار عصبون (خلايا عصبية)، والتي تتواصل فيما بينها عبر تريليونات من الوصلات الذهنية. تمنح هذه الشبكة المعقدة من الخلايا الذهنية الدماغ قدرات هائلة في معالجة المعلومات بسرعة كبيرة، التفكير الإبداعي، اتخاذ القرارات المعقدة، والتكيف مع المتغيرات البيئية.
على سبيل المثال، يمكن للدماغ البشري تحليل وتحويل المعلومات الحسية في أجزاء من الثانية، واستخدامها لتشكيل ردود أفعال معقدة مثل حل المشكلات أو الابتكار في مجال معين. هذه القدرات تتجاوز بشكل كبير ما يمكن أن يقوم به أي جهاز كمبيوتر، مهما بلغت قوته.
كنت سعيدًا اليوم عندما تعرفت على الاستاذة "ضحى العساف"، الأردنية المقيمة في دولة الإمارات، التي تقود فريقًا يعمل على تطوير منهجية ومقياس مبتكرين وبطريقة الكترونية مع استخدام الذكاء الاصطناعي، لمساعدة الأفراد في تقييم "ملفهم الشخصي للرشاقة الذهنية". يتيح هذا الملف لطلاب المدارس او الجامعات أو الافراد بشكل عام الحصول على تقرير مفصل عن المكونات الفسيولوجية الذهنية التي تؤثر على رشاقتهم في التفكير والتعلم، ويحدد العوامل التي تعزز أداء الدماغ، مما ينعكس بشكل مباشر على سرعة وسهولة التعلم.
يقدم الملف أيضًا ستة محركات رئيسية تساهم في تحسين صحة الدماغ وأدائه، بالإضافة إلى تأثيرها على سبع سمات فسيولوجية عصبية مرتبطة بتصميم الدماغ العصبي. يُعد هذا الملف أداة قيمة لمساعدة الأفراد في تحديد وتطوير المحركات والمكونات التي يمكنها تعزيز رشاقتهم الذهنية. من المهم ملاحظة أن درجاتك في هذه المحركات والمكونات تتغير باستمرار بناءً على مدى استمرارك في التعلم وتطوير "العضلات العقلية" الخاصة بك.
من الاستخدامات القيمة لهذه الاختبارات تمكين مديري المؤسسات والموظفين من فهم سماتهم وقدراتهم العقلية بشكل أعمق، خاصة عند اتخاذ قرارات تتعلق بإجراء تغييرات جذرية في المؤسسة. مع تزايد تطبيق المؤسسات لمفهوم "الرشاقة المؤسسية" بهدف الاستعداد للمستقبل، يصبح من الضروري تحقيق مستوى عالٍ من "الرشاقة العقلية" لدى المديرين والموظفين قبل الشروع في تحسين "رشاقة الاستراتيجيات، والهياكل، والعمليات". إن فهم هذه السمات العقلية يعد عاملًا حاسمًا في نجاح التغييرات المؤسسية، حيث يسهم في تحقيق التكيف السريع وتعزيز الإبداع والابتكار في بيئات العمل المتغيرة.
*صالح سليم الحموري/ خبير التدريب والتطوير /كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية.