غياب شعارات محاربة الفساد والقضايا القومية عن المشهد الإنتخابي
عمر ضمرة
25-08-2024 09:40 PM
في زمن تتزايد فيه التحديات التي يواجهها المواطنون، وتتعاظم فيه أهمية القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تبرز الحاجة الملحة إلى برامج انتخابية متكاملة وشاملة من قبل المترشحين للانتخابات النيابية، إلا أن المشهد الانتخابي الحالي يفتقر إلى تلك البرامج التي تعكس رؤية واضحة للمستقبل وتلبي تطلعات المواطنين.
إن غياب هذه البرامج يؤثر سلباً على اهتمام المواطنين بالانتخابات وقد يساهم في تفشي ظاهرة العزوف عن المشاركة في الانتخابات وإختيار نواب قادرين من ذوي الكفاءة، إذ من الضروري أن يتحلى المترشحون بالشجاعة والإرادة لتقديم رؤى مبتكرة وشاملة تعكس التزامهم بتحقيق مصالح المواطنين وتعزيز مستقبل أفضل للجميع. تشكل البرامج السياسية العمود الفقري لأي حملة انتخابية ناجحة، حيث كان يجب على المترشحين تقديم رؤية واضحة ومحددة للمستقبل، تتناول القضايا السياسية المحلية والدولية على حد سواء، وهذا ما لم نشهده.
فعلى سبيل المثال، ينبغي على المترشحين أن يعرضوا حلولاً ملموسة لمحاربة الفساد والفاسدين، بدلاً من الاكتفاء بالشعارات الرنانة التي تفتقر إلى التنفيذ الواقعي، وحتى هذه الشعارات لوحظ غيابها عن المشهد الإنتخابي.
مثلما يجب أن يتناولوا القضايا القومية العروبية مثل القضية الفلسطينية، ويعرضوا موقفاً حازماً يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية، مما يعكس التزامهم بالمبادئ والقيم العربية، وهذا ما بدا أنه في غياهب الجب، فاختفت الشعارات الانتخابية السابقة التي كنا نراها، (رغم أننا كنا نتندر على أنها مجرد شعارات تفتقر لرؤى سياسية)، بالرغم من المشهد الإقليمي الساخن الذي نشهده من عدوان بربري على قطاع غزة والضفة الغربية، واحتمالية نشوب حرب إقليمية واسعة، ستنعكس على الأردن وتؤثر على أمنه القومي.
كما لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد، فكان يجب أن تتضمن البرامج الانتخابية استراتيجيات واضحة لتحسين الوضع الاقتصادي، وذلك يتطلب تقديم حلول مبتكرة للتحديات الاقتصادية مثل البطالة، الفقر، وارتفاع الأسعار، إذ يحتاج المواطنون إلى رؤية برامج اقتصادية تعمل على تعزيز النمو المستدام وتوفير فرص العمل، بدلاً من مجرد الوعود العامة وشعارات محاربة الفقر والبطالة، التي تفتقر إلى التفاصيل والواقعية.
كما افتقرت البرامج الانتخابية إلى تقديم أية حلول عملية لمشكلة شح المياه وتوفيرالطاقة، ولم يتم التطرق إلى هذا الموضوع، لا من قريب ولا من بعيد، حيث أن الشعارات الانتخابية لم تقارب الشعارات الانتخابية التي كان يتم رفعها سابقاً، وركزت على جمل باهتة تستخف بعقول المواطنين، على شاكلة: (انتخبوا فلان لأنه الأصلح أو الأقوى أو القادر على تقديم الخدمات...الخ)، دون التطرق لهموم المواطن العادي، ونأت تلك الشعارات بنفسها عن نبض الشارع الأردني.
كما كان يتعين على برامج المترشحين الانتخابية أن تركز على تلبية احتياجات الشباب وتطلعاتهم، وأن تشمل البرامج خطة لدعم التعليم، التدريب المهني، والابتكار، بالإضافة إلى تشجيع المبادرات الشبابية وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية والاجتماعية، حيث أن تجاهل قضايا الشباب يعزز من شعورهم بالإحباط ويقلل من مشاركتهم في العملية الانتخابية.
ولوحظ غياب البرامج الثقافية عن المشهد الإنتخابي، إذ تلعب الثقافة دوراً مهماً في تعزيز الهوية الوطنية وتعليم الأجيال الجديدة، فكان يجب أن تشمل البرامج الانتخابية مبادرات لدعم الفنون، الأدب، والأنشطة الثقافية التي تعزز من التنوع الثقافي وتعزز من قيم التسامح والاحترام المتبادل، إذ أن الثقافة ليست فقط موروثاً، بل هي أيضاً أداة للتغيير الاجتماعي الإيجابي. كما تشكل البرامج الاجتماعية جزءاً أساسياً من أي رؤية متكاملة، فكان يجب أن تعالج البرامج الانتخابية القضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية، التعليم، وحماية حقوق المواطنين وتعزيز مبادىء المواطنة، وأن تعكس البرامج الانتخابية اهتماماً حقيقياً بمستقبل المجتمع وتوفير بيئة آمنة وشاملة لجميع أفراده.
إن هذه الفجوة في البرامج تساهم في عدم اهتمام الكثيرين بالعملية الانتخابية، بل قد تدفعهم إلى العزوف عن المشاركة في يوم الاقتراع، فاذا أردنا أن نرى تغييرات إيجابية في المشهد الانتخابي والمجتمعي، كان يجب على المترشحين أن يقدموا برامج انتخابية واضحة ومتكاملة تتناول كافة جوانب الحياة السياسية، الاقتصادية، الشبابية، الثقافية، والاجتماعية.
وحتى نكون منصفين، فان البرامج الانتخابية للأحزاب الأردنية، إن وجدت، لم تحظ بالاهتمام والترويج اللازمين لتصل إلى المواطن العادي. ورغم أهمية الانتخابات النيابية المقبلة، فإن هذه (البرامج) لم تجد طريقها إلى الجمهور عبر الوسائل التقليدية أو الرقمية، مما يثير تساؤلات حول قدرة الأحزاب على التواصل مع الشارع الأردني واستثمار قوة مواقع التواصل الاجتماعي في إيصال رؤاها وأهدافها الانتخابية.
وفي ظل هذا الواقع، يبقى المواطن الأردني في حاجة ماسة إلى وضوح الرؤية من قبل الأحزاب السياسية لضمان اختيار مبني على المعرفة والاطلاع، فهل تسعى الأحزاب والمترشحون، إلى إستغلال ما تبقى من وقت، قبل حلول موعد الإستحقاق الدستوري في العاشر من أيلول المقبل، أم أن المشهد الحالي للدعاية الإنتخابية سيبقى سائدًا..؟!