يغرق الجميع في تفاصيل الحياة اليومية، وأجد نفسي عالقةً في تلك اللحظة العابرة بين الحضور والغياب، كأنني أعيش بين أناسٍ يشبهونني في اللغة والملامح، لكنهم غرباء في الروح، كيف يمكن للإنسان أن يشعر بالغربة وهو في وطنه؟ وكيف يمكن للكلمات أن تكون ملاذًا في هذا العالم المليء بالضجيج؟ هل أنا التي تغيرت أم أن العالم من حولي هو الذي تغير؟ هذه الغربة التي تتسلل إلى الروح، تشعرني بالانفصال عن العالم من حولي، كيف يمكن للإنسان أن يشعر بالغربة وهو محاط بالناس؟ كيف يمكن للزحام أن يكون مصدرًا للوحدة؟
شعور يسكن القلب، ينمو في أرجاء الروح كما تنمو الأزهار في صحراء قاحلة، ذلك الهمس الذي يأتي في الليالي الهادئة، يخبرني أنني مهما اقتربت، سأبقى بعيدةً كطائر مهاجر لا يستطيع العودة إلى عشه الأول. أجلس بين الناس، أستمع لأحاديثهم وضحكاتهم، أشاركهم الكلمات، ولكن داخلي يحمل صوتًا مختلفًا، نغمة حزينة تردد: أين أنا حقًا؟ ومن هؤلاء الذين أشاركهم الوقت؟ كأن هناك جدارًا غير مرئي يفصلني عنهم، يمنعني من الوصول الكامل إليهم، ويجعلني أراقب العالم من نافذة غيري.
الغربة ليست مجرد غياب عن المكان؛ هي غياب عن الذات أيضًا، ربما تكمن الغربة الحقيقية في شعورنا بأننا لسنا حيث يجب أن نكون، أو أننا نفتقد تلك الجذور التي تمنحنا القوة والثبات، هي ذلك الشعور الدائم بأن هناك شيئًا ما ناقصًا، شيء لا نعرفه، ولكنه يترك فراغًا في أعماقنا. وفي وسط هذا التيه، أبحث عن معنى لهذه الغربة، هل هي دعوة للسفر نحو الداخل؟ أم هي حنين إلى شيء لم أعشه بعد؟ ربما الغربة هي رحلتنا للبحث عن حقيقة أنفسنا، أو هي السبيل لنكتشف أن الوطن ليس مكانًا نعود إليه، بل هو شعور نزرعه في قلوبنا، أينما كنا.
في نهاية المطاف، ربما تكون الغربة هي تلك اللحظة التي نتعلم فيها أن نكون أصدقاء لأنفسنا، أن نصنع من هذا الشعور الحزين قصصًا نرويها لأنفسنا، عسى أن نجد فيها بعض السلوى، وربما طريقًا جديدًا نحو السلام الداخلي.