مجلس النواب: مفترق طرق لإعادة تشكيل المشهد السياسي
العنود عبدالله الطلافيح
25-08-2024 02:11 PM
مجلس النواب الأردني الحالي يمثل مرحلة مفصلية في المشهد السياسي للمملكة، وهو انعكاس لعملية تطور ديمقراطي متشابك تتداخل فيه العوامل الداخلية والخارجية. هذه المرحلة ليست مجرد امتداد للممارسات البرلمانية التقليدية، بل هي لحظة اختبار حقيقي لقدرة النظام السياسي على التكيف مع الضغوط والتحديات المعاصرة، سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، أو حتى ثقافية.
الانتخابات الأخيرة شهدت تغييرات ذات أبعاد استراتيجية، تمس جوهر العملية الديمقراطية في الأردن. هذه التغييرات لم تكن مجرد تعديلات قانونية بقدر ما كانت محاولة لتوجيه دفة النظام السياسي نحو مسارات جديدة. لقد برزت جهود لتعزيز الشفافية وزيادة مشاركة المواطنين، لكن على الرغم من هذه الجهود، تبقى المسائل المتعلقة بالنزاهة والعدالة محور جدل مستمر.
من أبرز ما ميز الانتخابات الحالية عن سابقاتها هو محاولة تحجيم تأثير المال السياسي وتحقيق نوع من التوازن بين القوى التقليدية والقوى الحديثة. ومع ذلك، لم تفلح هذه المحاولات في القضاء على التحالفات العشائرية المتجذرة التي تظل عائقًا أمام تحقيق تمثيل ديمقراطي حقيقي. فالعشائرية، رغم أنها جزء من النسيج الاجتماعي الأردني، تظل تحركها عوامل قد لا تكون دائمًا متماشية مع المصالح الوطنية العامة.
الانتخابات كشفت أيضًا عن تحديات أعمق تتعلق بمدى استعداد الأحزاب السياسية للعب دور محوري في تشكيل السياسات العامة. فالتجربة الحزبية في الأردن لا تزال في طور التشكل، مما يضعف من فاعلية العملية الانتخابية ويجعل البرلمان أداة غير كافية لتحقيق تطلعات المواطنين. هذه التحديات تتطلب إعادة نظر شاملة في كيفية بناء نظام سياسي قادر على مواكبة تطلعات الجيل الجديد.
أمام هذه التحديات والتغيرات، تظهر الحاجة الملحة لإعادة هيكلة الفضاء السياسي في الأردن من أجل تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي. وفي هذا السياق، يمكن طرح مجموعة من التوصيات التي تتطلب تفكيرًا عميقًا وتخطيطًا استراتيجيًا:
-إعادة تعريف دور مجلس النواب: ينبغي أن يتجاوز دور البرلمان دوره التقليدي في التشريع والرقابة ليصبح ساحة للنقاش الاستراتيجي حول مستقبل البلاد. يتطلب ذلك من النواب تبني رؤية وطنية بعيدة عن المصالح الفردية والعشائرية، والالتفات إلى قضايا الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي.
-إصلاح النظام الانتخابي من جذوره: الإصلاحات الجزئية لم تعد كافية. هناك حاجة لإعادة بناء النظام الانتخابي على أسس جديدة تضمن تمثيلًا عادلًا لكافة مكونات المجتمع، بما في ذلك الشباب والنساء والأقليات. يجب أن يكون الإصلاح شاملاً، بحيث يتضمن جوانب تتعلق بتمويل الحملات الانتخابية، وتعزيز المشاركة الحزبية، وضمان النزاهة والشفافية في جميع مراحل العملية الانتخابية.
-تعزيز الثقافة الديمقراطية: الإصلاحات السياسية لا يمكن أن تنجح بدون تغيير جذري في الثقافة السياسية. يجب على الدولة والمجتمع المدني العمل معًا لنشر ثقافة الديمقراطية والحقوق المدنية بين المواطنين، وتعزيز مفهوم المواطنة الذي يتجاوز الولاءات الضيقة.
-تحقيق التوازن بين السلطات: لضمان فعالية النظام السياسي، يجب تحقيق توازن حقيقي بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية). يجب أن يكون البرلمان قادرًا على ممارسة دوره الرقابي بكفاءة، دون تدخلات من السلطة التنفيذية أو تجاوزات من قبل السلطة القضائية.
الرؤية المستقبلية
إن التحديات التي يواجهها مجلس النواب الأردني ليست مجرد مشكلات آنية، بل هي انعكاس لتحولات عميقة في المجتمع الأردني. إذا أراد الأردن أن يبني مستقبلًا مستقرًا ومزدهرًا، فإن إعادة النظر في دور البرلمان وكيفية إدارته للعلاقة بين الدولة والمجتمع أمر لا مفر منه. هذا يتطلب قيادة جريئة ومستعدة لاتخاذ قرارات صعبة ولكنها ضرورية لضمان أن تظل الديمقراطية الأردنية حية ونابضة بالحياة، وقادرة على تحقيق التطلعات الوطنية.
ختامًا، إن تحقيق هذه التوصيات ليس فقط ضرورة سياسية، بل هو أيضًا واجب وطني لضمان أن يظل الأردن نموذجًا في الاستقرار والازدهار في منطقة تعج بالتحديات والأزمات.