مع الثورات، المجتمعات العربية تواجه تناقضاتها!
باتر محمد وردم
09-05-2011 04:40 AM
كان الحلم الرومانسي الذي رافق الثورات والاحتجاجات العربية منذ بداية العام الحالي يتمثل في أن إزالة أنظمة الحكم الاستبدادية وإصلاح السياسات وأنظمة الإدارة كفيل بحل كافة المشاكل التي تعاني منها الدول العربية. ولكن تبين منذ ثورتي مصر وتونس بأن إزالة النظام القائم سابقا والمعتمد على ثنائية الاستبداد والفساد ليس هو البلسم الشافي الوحيد لمشاكل الدول العربية حيث سيكون على مجتمعاتنا العربية كافة مواجهة التناقضات المزمنة الموجودة داخلها وأن عملية الإصلاح لا تتمثل بتغيير الأنظمة ولكن بالشجاعة والصراحة في معالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية الداخلية التي لا ترتبط فقط بالأنظمة القائمة.
بعد سقوط النظام المصري السابق بدأت بعض وسائل الإعلام والمحللين السياسيين بالترويج لنظرية مفادها أن «الفتنة الطائفية» في مصر كانت صنيعة النظام بهدف إيقاع مكونات الشعب المصري ببعضها البعض والسكوت على الفساد والاستبداد الذي يمارسه النظام. بل أن قضية رفعت في المحكمة ضد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي اتهمته بأنه العقل المدبر لتفجير كنيسة النجاة في الإسكندرية في ليلة رأس السنة 2011 وتم الاستعانة بوثائق مزعومة عثر عليها في مقر جهاز أمن الدولة تبين فيما بعد أنها مزورة بفعل تقنيات الفوتوشوب. وكان المدون والنشاط المصري المعروف وائل غنيم هو أول من حذر من انتشار وثائق مزورة بين الناس نتيجة لاستخدام تقنيات الفوتوشوب في طباعة اي نص مزيف ضمن المساحة المتروكة بين ترويسة وزارة الداخلية أو رئاسة جهاز أمن الدولة وتوقيع وزير الداخلية أو أحد مساعديه.
ما يحدث في مصر منذ اسابيع من انتشار للفكر المتطرف والتعصب الطائفي بين المسلمين والأقباط وبتحريض كبير من السلفيين في مصر هو احد تداعيات التناقضات الذاتية الموجودة في المجتمع المصري ومثلها في مجتمعات عربية أخرى حيث لا يمكن اعتبار النظام السياسي مسؤولا عنها لوحده. الهياج الشعبي الذي أدى إلى مقتل 12 مواطنا مصريا في إمبابة كان سببه انتشار إشاعة بين الناس حول وجود السيدة المسيحية التي اسلمت كاميليا شحاتة محتجزة في إحدى الكنائس فحدث هجوم واسع النطاق على الكنيسة وبالأسلحة النارية مما أدى إلى سقوط قتلى من الطرفين. لولا أن مشاعر التعصب والتطرف موجودة وجاهزة في النفوس لتمت السيطرة على الإشاعة ووأدها. لم يكن هذا الأمر يحتاج إلى تخطيط حبيب العادلي القابع في السجن حاليا إلا إذا كانت له قدرات خارقة في إثارة الفتن من زنزانته الضيقة في طرة.
المجتمعات العربية تسير في طريق الإصلاح، منها من ثار على النظام ومنها من ينشط في برنامج سياسي منهجي للإصلاح ولكن في كل الحالات لا بد من مواجهة الهواجس الداخلية ومظاهر التناقض الاجتماعي-السياسي الموجودة في المجتمعات العربية خاصة الطائفية والإقليمية والعنصرية بكل اشكالها وإلا انزلقت كافة هذه الدول إلى أتون العنف والصراعات الداخلية. في العالم الحديث لا مكان للدول التي تعتمد على وهم النقاء الديني والعرقي لأن المجتمعات الحديثة كلها مبنية على التعددية الثقافية والاجتماعية والدينية ويجمع بين كافة مواطنيها ميثاق واحد وهو المواطنة والحقوق المتساوية ضمن دولة دستورية حديثة. لا مجال للاستمرار في خداع أنفسنا ووضع اللوم على إسرائيل والولايات المتحدة والأنظمة المختلفة بدون أن نمتلك الشجاعة في نقل مجتمعاتنا من مرحلة الانقسامات والتناقضات إلى مرحلة المواطنة متساوية الحقوق وكلما تأخر الوقت زادت الصعوبة.
batirw@yahoo.com
(الدستور)