في عام 1978 دخل هاشم غرايبة السجن بــ»بطانية» وحلم سياسي ..وفي عام 2011 عاد برواية هي «بطّانية» أدبية تغطّي ذاكرة ذلك الحلم..
***
في باحة السرايا، تحديداً بين المهجعين الغربي والشرقي، جلس هاشم على كرسي ضيق وطاولة بسيطة ليوقع روايته الجديدة «القط الذي علمني الطيران»..كان يكتب على مهل،يدقق بالأسماء أكثر مما يجب، تماماً كما يفعل مأمور السجن في كتب الإفراج عن المساجين ..تخيلته للحظة أنه يكتب افراجاً عن ذاكرته المحكومة بالمؤبد المستحيل، عن سنين شبابه التي قضاها بين سجن اربد والمحطة والطفيلة، عن خياله العالق في القاووش عن دخانه الملتصق في الثياب الشتوية، عن امه الشمس التي كانت تهرّب له ضوءها طازجاً كل صباح من بين قضبان الحديد العسلية..هاشم يوقع على خمرة سنين عمره، على سيرة نضاله، على زفير موقفه، على سنوات سبع تشبه حرف « لا» العنيد ..يا الهي، هل بقي مثلك يا صديق من يدفع سنين عمره بالجملة؟؟
..سرحت بعيدا، اثناء تقديم الزملاء لهاشم، سرحت بيمامة وقفت على السياج،التفت حول نفسها مرتين او ثلاثاً ..تذكّر هاشم بنفسها، وتمدّ جناحها ليوقع عليه انه رفيق حريتها .. حبيس القضبان،..هدلت له قليلاً كما كانت تفعل قبل ثلاثة عقود، عندما كان يغيب عنه الزائرون وتنفد المواويل من حناجر المساجين .. بقيت اليمامة تهدل طيلة تلاوة الشهادات، كان لها شهادة ايضاً كتبتها ذات «سماء» بتحليق مرتفع مرتفع ...وقراتها أمام كل الغيوم المارة خلال سبع سنين عجاف..
هاشم غرايبة شعر أبيض ممسك على قليل قليل من السواد..والسرايا أجدرة عتيقة بيضاء ممسكة على قليل قليل من سواد الحجارة ايضاَ..حياته غرف مغلقه، أسراره قضبان متصالبة، أفكاره مساجين يفرج عن التائب منها...ودخانه مواويل تلوّن سواد الليل الطويل الطويل...ياااه كم تشبه السرايا يا هاشم...؟؟؟...
ربع قرن على خروج هاشم من السجن..فهل خرج السجن من هاشم؟..
(الرأي)