كيف تُخفي الوقاحة خلف قناع الجرأة؟!
محمود الدباس - ابو الليث
24-08-2024 04:17 PM
في إحدى القصور الفرنسية.. حضر مأدبة جمعت نخبة من النبلاء.. وكان بينهم دوق معروف بتهذيبه وذكائه.. خلال المأدبة.. وجه أحد الحاضرين تعليقاً حاداً تجاه الدوق.. كان فيه نوع من الوقاحة والانتقاص.. توقع الجميع أن يرد الدوق بنفس الطريقة.. لكنه بدلاً من ذلك.. ابتسم وقال بهدوء "كم كنت أتمنى أن أكون جريئاً مثلك.. ولكن للأسف.. تربيت على احترام الآخرين حتى عندما أختلف معهم".. هذه العبارة لم تكن مجرد رد ذكي.. بل كانت درساً عميقاً في كيفية تحويل الوقاحة إلى جرأة محببة.. بأسلوب راقٍ يترفع عن الإساءة.
هذه القصة تلقي الضوء على واقع نعيشه اليوم في عالم التواصل الاجتماعي.. حيث تختلف الآراء.. وتتناقض الأفكار.. ومع هذا التناقض يظهر نوعان من المشاركين.. هناك من يدلي برأيه بجرأة مقرونة بأدب الحوار واحترام الآخرين.. وهناك من يتخذ من الوقاحة وسيلة لفرض رأيه.. متناسياً أن الردود العنيفة.. لا تعكس سوى ضيق الأفق وقلة الوعي.. وأن من يلجأ إلى السطحية والتهجم الشخصي.. لا يضيف للنقاش شيئاً سوى الفوضى.
في المجتمعات غير المتخصصة التي تجمع أفراداً من خلفيات فكرية وثقافية متنوعة.. يطرح موضوع قد يروق للبعض.. ويثير اهتمامهم.. بينما قد لا يجد قبولاً لدى آخرين.. وهنا يظهر الاختبار الحقيقي لمدى احترام الذات والآخرين.. فالرد المهني الذي يستند إلى المعرفة والفكر السليم.. يعكس رقي صاحبه وعمق إدراكه.. أما الردود الوقحة فلا تنم إلا عن شعور داخلي بالنقص.. أو الرغبة في إثبات الذات بأي ثمن.. وهي لا تؤدي إلا إلى خلق جو من العدائية والتنافر.
أي إنسان يمكنه أن يرد بوقاحة.. لكن ذلك الرد لا يدل إلا على ما يعشش في داخله من مشاعر سلبية.. سواء كانت غيرة.. أو عقدة نقص.. أو حتى مجرد محاولة للظهور والتميز.. ولكن هل هذه هي الطريقة التي يريد بها الإنسان أن يُعرف؟!.. وهل الوقاحة هي السبيل لإثبات الوجود؟!.
الفارق بين الجرأة المحببة والوقاحة كبير.. الجرأة تقوم على الصدق.. والاحترام.. والقدرة على التعبير عن الرأي.. دون إساءة.. بينما الوقاحة لا تنم إلا عن ضعف داخلي.. ورغبة في النيل من الآخرين.
في النهاية.. الكلمات ليست مجرد حروف.. بل هي انعكاس لشخصية المتحدث ووعيه.. فليختر كل منا كلماته بحكمة.. لتكون صدى لرقيه.. لا سبباً لنفور الآخرين منه..