التخصص الدقيق في مرحلة البكالوريوس .. نصيحة بلا جمل
د. مالك القصاص
24-08-2024 03:33 PM
تطور العلوم عبر التاريخ لم يكن مجرد تراكم للمعرفة، بل كان نتيجة ثورات فكرية وتكنولوجية. كل علم تطور من خلال تحويل وتبني أفكار من مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، تطورت الفيزياء من الفلسفة الطبيعية، والكيمياء من الخيمياء، وهذه العملية استمرت مع تطور العلوم الحديثة مثل علم الحاسوب والذكاء الاصطناعي.
كما ولعبت الرياضيات دورًا أساسيًا في تطور علم الخوارزميات، التي تعتبر العمود الفقري لعلم الحاسوب، وعلم التشفير، والذي يعتبر أساس علم امن المعلومات. وبالإضافة الى ذلك ساهمت الرياضيات في تطوير علم تحليل البيانات، حيث وفرت الأدوات اللازمة لتحليل كميات ضخمة من البيانات، مما يساعد في استخراج المعلومات القيمة واتخاذ القرارات. كما ان الرياضيات، وخاصة الإحصاء والجبر الخطي، هي الأساس في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
في هذا المقال، وخصوصا بعد أسئلة الكثير من الأصدقاء، اود الحديث عن التخصصات الجامعية الدقيقة في مرحلة البكالوريوس.
مع تطور التكنولوجيا وظهور احتياجات جديدة في سوق العمل، قامت الجامعات بتقديم تخصصات دقيقة مثل الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات، والطاقة المتجددة وغيرها. هذه التخصصات تهدف إلى إعداد الطلاب في مجالات محددة ومطلوبة.
ومع ذلك، قد تكون هذه التخصصات دقيقة "جدًا" بالنسبة لطالب البكالوريوس، الذي يتخرج من الثانوية العامة في مرحلة عمرية حساسة، والذي ما زال في مرحلة النضوج واكتساب المعرفة الأساسية والمهارات العامة. وبالتالي، قد يكون من الأفضل للطلاب أن يدرسوا التخصصات الأساسية "الاصيلة" مثل علم الحاسوب، او الهندسة الكهربائية، أو الرياضيات، ومن ثم يمكنهم التخصص في المجالات الدقيقة في مراحل لاحقة من تعليمهم أو حياتهم المهنية.
ومن الجدير بالذكر ان التخصصات الاصيلة تعمل على تنوع المعرفة، حيث ان دراسة التخصصات الأصيلة مثل علم الحاسوب أو الهندسة تمنح الطلاب قاعدة معرفية واسعة وشاملة تمكنهم من فهم الأساسيات وتطبيقها في مجالات متنوعة. هذا يمكن أن يمنحهم المرونة والقدرة على التكيف مع تغيرات سوق العمل ومختلف التحديات المهنية.
كما ان التخصصات الأصيلة تتيح للطلاب فرصة التخصص في مجالات متعددة بعد التخرج، سواء من خلال الدراسات العليا او الحصول على شهادات او دورات مهنية عالمية. وبالإضافة الى ذلك، التخصصات الاصيلة يمكن أن تفتح أبواباً لفرص عمل متنوعة، حيث تكون مؤهلاً للعمل في عدة مجالات بدلاً من مجال واحد فقط.
وأخيرا، في هذا المقال اود ان أقدم نصيحة للطلاب المقبلين على الدراسة الجامعية واهاليهم بالابتعاد عن التخصصات الدقيقة والتوجه الى التخصصات الأصيلة، وان قد تبدو بعض التخصصات جذابة لكنها قد تكون محدودة من حيث المرونة المهنية. كما ان التنافس بين الجامعات لجذب الطلاب قد يؤدي أحيانًا إلى تقديم وعود مبالغ فيها أو غير واقعية، مما قد يخلق صورة ذهنية غير دقيقة لدى الطلاب عن مستقبلهم الأكاديمي والمهني. فمن المهم أن يفكر الطلاب في اهتماماتهم وقدراتهم، وكذلك في سوق العمل المستقبلي عند اختيار تخصصهم الجامعي. كما ان التخصصات الدقيقة يمكن أن تكون خيارًا ممتازًا في الدراسات العليا أو بعد اكتساب بعض الخبرة العملية، حيث يكون لدى الطالب فهم أوضح لما يريد تحقيقه مهنيًا.