facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




الديمقراطية كممارسة وقيمة


وفاء عوني الخضراء
23-08-2024 03:46 PM

مع دخولنا مرحلة جديدة من المشاركة السياسية والعمليات الانتخابية، من الضروري أن نتجاوز اعتبار الديمقراطية مجرد مسألة تتعلق بالانتخابات والحملات الإعلامية والأحزاب السياسية. بينما يُعتبر التشريع وتنظيم هذه العناصر ضروريين، فإنهما ليسا كافيين لتشكيل مجتمع ديمقراطي حقيقي. ما هو مهم بقدر كبير - وربما أكثر أهمية - هو تطوير إبستيمولوجيا سياسية تُمارَس وتُعاش كواقع. فوجود منهجية معرفية وفكرية لتعزيز قدرات وممارسات العمل السياسي التي تدعم الحياة الديمقراطية سيسهم في تشكيل نسيج ثقافي ديمقراطي يعزز التكافل ويُنظم المجتمعات من الناحية القيمية.

بعيدًا عن التنظير والمثالية، الديمقراطية ليست مجرد انتخابات أو حملات أو أحزاب سياسية. هي عملية معقدة لبناء الوعي الجماعي للأفراد والمجتمعات، تهدف إلى تمكينهم من قبول اختلافاتهم وتنوع آرائهم في القضايا العامة. تتطلب الديمقراطية توجيه هذه الاختلافات إلى تنوع غني في البرامج والتخطيط التنموي لخدمة الصالح العام، بدلاً من تحقيق المصالح الشخصية أو المنافع الضيقة.

بناء مجتمع ديمقراطي يتطلب أكثر من مجرد قوانين مصاغة بشكل جيد وتأسيس أحزاب سياسية؛ إنه يتطلب التزامًا جماعيًا لتعزيز ثقافة سياسية تنحاز إلى التفكير الحكيم، والحوار المفتوح الرصين، وانتخابات مدفوعة بحس عالي من المسؤولية الأخلاقية. لذلك، يجب على الأحزاب السياسية أن تسعى لفهم أعمق وأوسع لدورها التقليدي. فإلى جانب دورها التاريخي في الوصول إلى السلطة، تشمل مسؤولياتها أيضًا تطوير منهجيات سياسية، فكرية ومدارس أخلاقية تمكّن المواطنين من المشاركة الفعّالة في العملية الديمقراطية بطرق ذات مغزى وجدوى وسلوكيات قيميّة.

ولتوضيح كيفية تحويل الفكر السياسي إلى ممارسات وقيم ، يمكننا النظر إلى أمثلة من مختلف أنحاء العالم:

المسؤولية المدنية في سنغافورة: تعتبر سنغافورة نموذجًا يُحتذى به في دمج الفكر السياسي مع المسؤولية المدنية. تضع الحكومة تركيزًا كبيرًا على التعليم المدني، الذي يتم تضمينه في المنهج الوطني من سن مبكرة. حيث يتم تعليم المواطنين أهمية التناغم الاجتماعي، واحترام سيادة القانون، والمشاركة الفعالة في الحياة المجتمعية. وعبر برامج مثل التعليم الوطني ومبادرة القيم في العمل، يشارك الطلبة السنغافوريون في خدمة المجتمع والأنشطة الأخرى التي تغرس شعورًا بالواجب المدني والسلوك الأخلاقي. وقد ساهم هذا النهج في خلق جيل من المواطنين المتعلمين والمكرسين لرفاهية الأمة.

الديمقراطية المحلية في الهند: في الهند، يُعد مفهوم بنشايتي راج Panchayati raj - نظام الحكم المحلي - مثالًا قويًا على كيفية تحويل الفكر السياسي إلى مهارات مدنية عملية. إذ يُمكّن البنشايات، أو المجالس القروية، المواطنين على مستوى القاعدة الشعبية من المشاركة في عمليات اتخاذ القرار التي تؤثر مباشرة على مجتمعاتهم. يوفر هذا الشكل اللامركزي من الحكم للمواطنين تجربة مباشرة في الديمقراطية، مما يعلمهم مهارات أساسية مثل التفاوض، وحل النزاعات، والقيادة الأخلاقية. بالإضافة إلى ذلك، تنظم اللجنة الانتخابية في الهند حملات توعية واسعة النطاق تعزز أهمية التصويت الأخلاقي واتخاذ القرارات على أساس المعرفة، مما يعزز القيم الديمقراطية عبر البلاد.

المشاركة المدنية في اليابان: تقدم اليابان مثالًا آخر من خلال التركيز القوي على الانخراط المجتمعي والمسؤولية المدنية. تلعب كومينكان (المراكز المجتمعية) دورًا حيويًا في تعليم المواطنين عن واجباتهم المدنية وتوفير مساحات للحوار العام. غالبًا ما تستضيف هذه المراكز ورش عمل، ونقاشات، وأنشطة تطوعية تشجع المواطنين على المشاركة بنشاط في مجتمعاتهم. علاوة على ذلك، يدمج النظام التعليمي في اليابان دروسًا حول الديمقراطية والأخلاق في مناهجه، مما يضمن أن يتعلم الطلبة عن دورهم في المجتمع من سن مبكرة. وقد ساهم هذا في خلق ثقافة يُنظر فيها إلى الانخراط المدني كمسؤولية وأخلاقية.

برامج التعليم المدني في اسبانيا: تُعلِّم إسبانيا الحياة الديمقراطية والأخلاقيات من خلال التعليم المدني المدمج في المنهج الوطني. بدءًا من المدرسة الابتدائية، يشارك الطلاب في أنشطة مثل المناظرات والمشاريع المجتمعية لاكتساب فهم للمبادئ الديمقراطية والمشاركة النشطة. على سبيل المثال، في حملة "عدم إلقاء القمامة"، يشارك الطلاب في حملات تنظيف ويقومون بإبداع مشاريع فنية من المواد المعاد تدويرها. هذه الأنشطة، التي تبدأ منذ الصغر، تساعدهم على تعلم كيفية الحفاظ على الأماكن العامة والتطوع في المجتمع. تسهم هذه الممارسات في تعزيز المسؤولية المدنية وبناء شخصية المواطنين من خلال تطبيق القيم الديمقراطية عمليًا، مما يؤكد أهمية تحويل المفاهيم إلى ممارسات حقيقية لضمان نجاح الديمقراطية.

في هذا السياق، تعمل الإبستيمولوجيا السياسية كإطار توجيهي يعزز فهمنا ومعرفتنا بالمبادئ الديمقراطية داخل المجتمع. فهي تدعو إلى بناء عقلية ديمقراطية تتجاوز مجرد التفاعل مع الأحداث السياسية لتساهم فعلاً في تشكيل مستقبل الوطن وخياراته. يجب أن تكون هذه العقلية متجذرة في فهم عميق للمبادئ الديمقراطية في تراثنا وموروثنا أيضا، والالتزام بها ليس فقط في النظرية، بل أيضًا في ممارساتنا اليومية.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :