"والله مستحي أطلب".. هكذا أجابني صديقي حين طلبت منه أن يتقدم بإجازة الأسبوع القادم لمدة يوم.. وحين سألته عن السبب قال: "أخذت ثلاثة ايام إجازة قبل أسبوعين.. فأشعر بالخجل من طلب إجازة أخرى قريباً".. تعجبت من جوابه فسألته: "هل هناك تعليمات تُلزمك بتباعد الإجازات لأشهر؟!.. أو هل يجب أن تكون الإجازات طويلة حتى تُقبل؟!".. فجاء جوابه واضحاً "لا.. ولكنني أشعر بالخجل لتكرار الطلب"..
هذه العبارة البسيطة.. تكشف عن ظاهرة أكثر تعقيداً في مجتمعاتنا.. ظاهرة تحكمها مشاعر الخوف والخجل من المطالبة بالحقوق..
فعلا سبيل المثال.. هناك حقوق نصت عليها القوانين وأنظمة العمل بوضوح إلا أن بعض الموظفين وخاصة في القطاع الخاص يشعرون أن طلب الإجازة قد يُفسر على أنه تهاون أو مؤشر على إمكانية الاستغناء عنهم فيترددون ويخافون وربما يمتنعون عن المطالبة بما هو حق طبيعي لهم..
هذه الظاهرة ليست محصورة في بيئة العمل فقط، بل تتجاوزها إلى جوانب أخرى من حياتنا.. فقد نجد من يخجل من طلب شيء بسيط من والده.. رغم أنه من حقوقه كابن.. أو نجد من يتردد في طلب حقه من مؤسسة حكومية.. وكأن المطالبة بحقوقنا تحولت إلى عبء نفسي نحمله خشية من ردود الفعل..
ولعل أشد مظاهر هذا الخجل ظهوراً.. هو حين يستحي الإنسان من طلب ماله الذي أقرضه لغيره.. وهنا تكمن المفارقة المؤلمة.. حيث قد يشعر الدائن بالخجل.. في حين يتصرف المدين وكأنما قدّم له شرفاً حين طلب منه القرض.. أو يلجأ إلى عبارات تضع الدائن في موقف حرج.. فيصبح طلب الحق أمراً مستحيلاً..
إن المطالبة بالحقوق ليست اعتداءً وليست وقاحة.. بل هي ممارسة طبيعية ومشروعة لكل إنسان.. سواء كانت تلك الحقوق شخصية أو رسمية، ولكننا بحاجة إلى ثقافة جديدة.. ثقافة تُعيد إلينا ثقتنا بأنفسنا وبحقوقنا.. وتدفعنا إلى طلب ما لنا من حقوق بوضوح واحترام.. دون تردد أو خوف..
ولكن السؤال المطروح.. كيف وصل بنا الحال إلى هذا الحد؟!.. أهو نتيجة ثقافة مغلوطة تعزز من هذا الخوف؟!.. أم هو تراكم لخبرات سلبية جعلتنا نشكك في قدرتنا على الحفاظ على حقوقنا؟!..
فلنتعلم أن نستعيد حقوقنا ونطلبها بحزم ومهنية وكرامة.. فليس في ذلك عيب ولا خجل، بل هو حق يجب علينا أن نمارسه بكل ثقة..