الحملات الانتخابية .. واشكالية التمويل
فيصل تايه
22-08-2024 11:21 AM
يشتكي الكثير ممن تراجعوا عن الترشح لانتخابات مجلس النواب العشرين من التكاليف والمصاريف المالية الباهظة للحملات الانتخابية، وعدم القدرة على مجاراة المنافسين الذين يتمتعون بدعم معروف ما يدعونا لفتح ملف الرقابة على نفقات وتمويل الحملات الانتخابية ، اذ يمكن للهيئة المستقلة للانتخابات أن تلعب دوراً في التشديد على مراقبة تمويل الحملات الانتخابية، وتحقيق العدالة بين المرشحين، خاصة في التاكيد على سقف أعلى للإنفاق على الحملات.
من المعلوم ومن مصادر الهيئة المستقلة للانتخابات وجود سقوف لتمويل القوائم المحلية تبلغ (٥٠٠ الف) دينار اردني ، والقائمة الحزبية (٥٠٠ ألف) دينار أردني ، وهو الحد الاعلى للانفاق ، بمعنى ان من الممكن انفاق الف دينار او الوصول الى الحد الاعلى بحسب الاشخاص ، ويمكن مراقبة ذلك من خلال "الجنة المكلفة" والتي اعلن عنها برئاسة امين عام الهيئة المستقلة وبمشاركة معظم الهيئات الرقابية في الدولة ، اذا ان هذه اللجنة وجدت لأول مرة لتقوم بواجبها في العمل المخصص لها ، الى جانب عمل مدير وحدة الرقابة في الهيئة ، وذلك للتأكد من ان النماذج التي تم تعبئتها من قبل الاحزاب لتحديد الانفاق والاطلاع على الموازنة العامة، ويتم التأكد من صحة المعلومات الواردة فيها بما فيها صحة الانفاق وذلك بعد الانتهاء من الانتخابات ، ويجب التنويه هنا الى ان حساب الانفاق يكون "منفصل" عن حساب الحزب ، الى انه وفي حال مخالفة حجم التمويل فهناك جهات معنية ستتخذ الاجراءات اللازمة بحق المخالفين.
اننا وحين نتحدث بصراحة عن تكاليف الحملة الانتخابية للمرشحين ، لا بد من الاشارة الى ان تلك الحملات تحتاج الى ميزانيه تقدر بعشرات ألالاف ، بل تبدو بعض المبالغ زهيداً أمام الإنفاق الباذخ للكثير من المرشحين ، خاصة أولئك الذين يواجهون منافسة شديدة في دوائرهم ، وقد تخرج عن السقوف المحددة وقد تبرر عند البعض بمسارات متعرجة ، لكن مهما يكن من أمر فنحن اليوم امام واقع يتعين فيه وضع ضوابط لالية تمويل الحملات الانتخابية ، وتحديد قواعد الدعاية والحملات والنفقات الانتخابية ومواردها والتزامات وسائل الإعلام ومشاركة منظمات المجتمع المدني في متابعة الانتخابات ومراقبتها .
اننا ونحن نعيش تفاصيل الحملات الانتخابية ، نلاحظ ما يعرف بـ«سوق الانتخابات» نشطاؤها عادة قطاعات واسعة من شركات الإعلان والدعاية والترويج الإلكتروني والتواصل والخدمات اللوجيستية والمطاعم وصالات الفنادق والمناسبات، هؤلاء يمثلون سوقاً منتعشة خلال موسم الانتخابات ، وان نفقات الإعلان والضيافة وإقامة المقار الانتخابية يتحمل المرشح تكاليفها ، ناهيك عن تشغيل عشرات العاملين في حملته الانتخابية، مع بذل جهد أكبر للتواصل مع القاعدة الانتخابية .
ومن الملاحظ اننا سنشهد تحولاً في تنظيم الانتخابات مع بروز جيل أكثر مهارة وفاعلية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وبث الدعايات، وتنظيم المقابلات وتنظيم قوائم الناخبين آلياً، وتصميم آليات رقمية للتواصل معهم ، كما وإن أبرز القطاعات الخدمية المستفيدة من موسم الانتخابات قطاع الإعلان والتجهيزات والخدمات اللوجيستية وبصورة خاصة المتعلقة بتجهيز المقار الانتخابية، إضافة إلى القنوات التلفزيونية الخاصة وقنوات «يوتيوب» الخاصة وشركات توفير العمالة لتنظيم الندوات والشركات التي توفر خدمات إعلامية للمرشحين كالتصوير.
لكن يبقى السؤال ، من أين يتلقى المرشحون الدعم المالي مع تكرار خوض الحملات الانتخابية؟ اذ يتحدث مراقبون عن دعم من رجال أعمال مؤيدين لهذا المرشح أو ذاك، مع ما يعرف بـ«الفزعة» من أبناء العشيرة أو الأشخاص المرتبطين بالمرشح بصلات مختلفة ، لكن المتعارف علية فان العبء الأكبر يتحمله المرشح نفسه لكن بعضهم من اين له هذا ؟.
لكننا الآن وفي ظل ما تقدم خاصة مراقبة التمويل، فإن الجهود المبذولة لمواجهة المال السياسي يجب تكثيفها ، فلطالما أثيرت اتهامات لأشخاص ذوي نفوذ بالتدخل في «إدارة» الانتخابات، وفي السعي لـ«الهيمنة» ، عبر تمويل حملات مرشحين بعينهم، أو تقديم الدعم لمرشحين ثانويين يسعون لتفتيت الأصوات المحتمل أن يحصل عليها خصومٌ لهم .
وهنا يثور التساؤل والخوف لدى الكثير من أفراد المجتمع عن دور المال السياسي في إفساد العملية الانتخابية، لا سيما وأننا سنلاحظ ان هناك الكثير من المرشحين سنجدهم "يتمصرفون" ببذخ واضح على حملاتهم الانتخابية على الرغم من أن حالتهم المادية عادية وغير معروف مصدر هذه الأموال التي تم صرفها على حملاتهم الانتخابية.
انا اقول ان تمويل الحملات الانتخابية يعد موضوعا في غاية الأهمية ، لأنه يشكل عاملاً محورياً في توجيه نتيجة الانتخابات نحو وجهة معينة لصالح توجه معين دون غيره، وبالتالي المساس بنزاهة وشرعية العملية الانتخابية برمتها ، لذلك لا بد من تفعيل الرقابة بصورة اكبر ، بل يجب ان تخضع مصادر التمويل وإنفاقه لإجراءات النزاهة والشفافية وللرقابة المشددة لإنجاح العملية الانتخابية ، اذ يُعدّ المال السياسي من أهم المخاطر التي تؤثر على نزاهة العملية الانتخابية ونجاح الديمقراطية بالتأثير على إرادة الناخبين وتوصيل مرشحين موجهين بطريقة غير شرعية .
والله ولي التوفيق