في قضايا الاستثمار، الشركات المساهمة العامة هي أهم المحركات، حيث لديها القدرة على توظيف العمالة بكثافة، مما يساهم في الحد من البطالة. ومن الضروري بدايةً مراعاة البيئة التشريعية بمعنى لا يجوز تشجيع إنشاء شركات بناءً على دراسات جدوى وسيولة مقدمة من مؤسسين فقط، وهو الأمر الذي عانينا منه وفتح الثغرات الواسعة لشركات جدواها ورقية أنجبت شركات متعثرة بالجملة، تلاها مخاطر اندثار، وخسران لفرص العمل، وخسائر يتكبدها المستثمرون، والأهم اقتصاد وطني هو الخاسر الأكبر.
الصحيح والصحي بأن تبدأ المشاريع كما في الغرب بأفكار مبتكرة لرواد مؤسسين يجتمعون في شركات خاصة، وبعد إثبات الربحية المستدامة وتقييم حيادي عادل لأصولها العينية، يمكن تحويل هذه الكيانات الخاصة إلى شركات عامة من خلال الطرح العام الأولي (IPO) وبعلاوة إصدار يستحقونها، وهذه العملية لا توفر ضمانًا لجدوى المشروع فحسب، بل تؤكد للعموم وللأعين الرقابية أن الشركة لديها سجل حافل قبل إشراك المستثمرين المؤسساتيين والأفراد.
بعدها نحتاج بوابة مركزية تتولى إدارة جميع مراحل الاكتتاب العام الأولي، بدءًا من تقديم الطلبات والتخصيص للأسهم وحتى الإدراج بالاعتماد على منصة رقمية لتقديم ومراجعة المستندات، مما يساهم في تقليل الأعمال الورقية وتسريع الإجراءات الإدارية بمنتهى الدقة. ولا ننسى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات المالية وغير المالية وفي أتمتة عملية المراجعة والتحقق من اكتمال المستندات وتناسقها.
من المهم تشجيع الشركات العائلية على التحول إلى شركات مساهمة عامة ومدرجة في البورصة، مما يمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز النمو والاستدامة. هذا التحول يتيح للشركات العائلية الوصول إلى رأس المال من خلال طرح الأسهم للاكتتاب العام مما يعزز قدرتها على التوسع. كما يساهم في تحسين الشفافية والحوكمة، حيث تخضع الشركات لمتطلبات تنظيمية وإفصاحية أكثر صرامة. بالإضافة إلى ذلك يفتح الإدراج في البورصة المجال لجذب مستثمرين جدد، مما يمكن العائلات المؤسسة من تخفيف العبء المالي عن أفرادها، وتنويع قاعدة الملكية، وضمان استمرارية الشركة عبر الأجيال، كل ذلك يستوجب تقديم الدعم للشركات العائلية التي ترغب في التحول إلى شركات مساهمة عامة.
رقابياً هناك تباين بين الصلاحيات التي تتمتع بها وزارة الصناعة والتجارة في الأردن وبين ما يجب أن يكون عليه الوضع حسب الممارسات العالمية الحديثة. توزيع الصلاحيات بين وزارة الصناعة والتجارة وهيئة الأوراق المالية بحاجة إلى إعادة نظر لتحقيق الانسجام وتقوية الرقابة على الشركات المساهمة العامة، وعدم العودة إلى مربعات التعثر.
بمعنى أن يكون دور هيئة الأوراق المالية رقابيا متخصصا في التنظيم والإشراف على الشركات المساهمة العامة، وأن يقتصر دور وزارة الصناعة والتجارة على التسجيل وإجراءاته، وأن تتولى الهيئة الرقابة ما بعد إعلان الشركة بما يشمل دراسات الجدوى، ونشرات الاكتتاب، وتحديد علاوة الإصدار، والإفصاح عن المعلومات، ومتابعة الهيئات العامة السنوية، باختصار كل أحكام الرقابة الحصيفة بعد ولادة الشركة.
العزوف عن تأسيس الشركات العامة بدأ بعد مسلسل التعثر الذي حدث قبل سنين طويلة وما زلنا نعاني تداعياته، مما أضعف محركات الاستثمار، لذلك مشوار الألف خطوة يبدأ بخطوات تشريعية رقابية أساسية.
ولقد كانت تعديلات قانون الشركات في 2023 فرصة أمام مجلس النواب لإحداث نقلة نوعية في البيئة الاستثمارية تخرجنا من النفق المظلم نحو شعاع يومض باتجاه انطلاق شركة مساهمة ضخمة بعد عشرين عاما من الغياب.
الغد