لا اظن ان المتنبي كان يعلم ان الدنيا ستتغير على هذا النحو ولم يدر في خلد الشاعر الذي رسم بكلماته اجمل الصور وحاز على اعجاب الخلفاء والامراء والولاة واغاضت عبقريته كل الذين عجزوا عن مجاراته .
في تلك الايام كان العالم يعيش سطوة السيف والقلم وكان السيف لا يزال اصدق انباء من الكتب فلم يدخل العالم عصر الصناعة ولم يكن نيوتن قد اشغل راسه بسقوط التفاحة وكوبرنيكس كان يدون اولى ملاحظاته حول استدارة الارض ..
في الشرق هنا كان المأمون اكثر اهتماما بالفيزياء والفلك من ناسا وكان الخوارزمي يؤسس لمصفوفات لم تكتب له الايام ان يرى كيف قلبت الكون. بصيرة الرواد من الفلاسفة والحكماء ورجال الطب والفيزياء والرياضيات كانت منشغلة بالجمع والترجمة والتأليف فالعالم لا يزال منشغلا بالحرب والفروسية واخضاع ارادة الخصوم وتحييد العداوات اكثر من كل شيء .
في زمن عبقرية الشعر وقدرته على صناعة الصور والتأثير كان بلاط الامراء يعج بالشعراء وكانت الخيل والليل والبيداء هي الوسائل والظروف والميادين فقد كان الحصان هو الميركافا التي جهزها المقاتل العربي وكانت التروس دروعهم و قببهم الحديديه .
في زمن ما قبل تفجر الثورة الصناعية وقبل اختراع البارود وفهم قوانين الطاقة والضوء والزمن وتوظيفها في اعادة تشكيل كل ما حاولنا ومضاعفة قدرتنا على الفعل الاف المرات كان الحصان سيد الفضاء ومقياس القوة ورفيق الفرسان ودواس الظلام وفاتح الامصار .
نعم مثل المتنبي تماما كان الاسكندر المقدوني وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وقطز وهولاكو وجنكيز خان و صلاح الدين الأيوبي كان محمد الفاتح والسلطان سليم الثالث ونابليون يرون ان ظهر الحصان هو اعز مكان على امتداد الارض....
حتى اليوم ومع وجود المحركات التي تمكننا من ان نعبر الأطلسي بساعة او اقل ومع كل مراكب الفضاء واحواض السفن والقطارات السريعة لا يزال للحصان جمال لا يدانى وسحر لا يضاهى والفة لا يعرفها إلا من ركب الخيل وسرج ظهورها ....
في كل مرة ادنو فيها من الخيل ترقص جوارحي بهجة وأشعر بأن عليي ان اشكر كل السلالات التي اخذت فرساننا شرقا وغربا واصهلت في الميادين البعيدة وهي تلاقي أعداء الامة وتستكمل وهي تضرب سنابكها بالأرض صور الشجاعة العربية واتحسر على الزمن الذي جردنا من حضورها بعدما اقبلنا على تفريخ كل هذه العلب الاسمنتية التي حجزنا وراء أبوابها أجسادنا وارواحنا.
السلام لروح وذكر ابو الطيب المتنبي ...والسلام على أرواح فرسان الامة وكل الذين سرجوا الخيول التي حملتهم الى مشارق الارض ومغاربها وحملت معهم اللغة والفكر والخلق والسماحة والخصال العربية التي رسمت لنا صورة أعيا أعدائنا العمل على محوها.