"اوبونتو" .. سر السعادة الضائعة
محمود الدباس - ابو الليث
21-08-2024 03:34 PM
في يوم من الأيام.. وبينما كان أحد علماء الأنثروبولوجيا يدرس إحدى القبائل الإفريقية البدائية.. قرر أن يعرض عليهم لعبة.. وضع سلة من الفواكه اللذيذة قرب جذع شجرة.. وأخبر الأطفال.. بأن أول من يصل إلى الشجرة سيحصل على السلة بكل ما فيها.. وما إن أعطاهم إشارة البدء حتى تفاجأ بهم.. يسيرون معاً.. ممسكين بأيدي بعضهم البعض.. حتى وصلوا إلى الشجرة.. وقسموا الفاكهة فيما بينهم.. وعندما سألهم.. لماذا لم تتسابقوا للحصول على السلة.. أجابوه بكل بساطة.. "أوبونتو".. كيف يمكن لأحدنا أن يكون سعيداً.. بينما الآخرون تعساء؟!.
هذه الكلمة البسيطة "أوبونتو".. والتي تعني "أنا أكون.. لأننا نكون".. تحمل في طياتها سر السعادة.. الذي يبدو أنه ضاع من نفوس ترى نفسها فوق غيرها.. وضاع أيضاً في مجتمعات تدّعي التحضر.. بينما تمارس الأنانية بأبشع صورها.. فماذا لو تعلمنا من هؤلاء الأطفال درساً في حب الخير للآخرين؟!.. ماذا لو طبقنا هذا المفهوم في حياتنا الاجتماعية.. الاقتصادية.. وحتى الإدارية؟!.
في المؤسسات.. لماذا لا يسعى المدير لراحة وسعادة موظفيه؟!.. أليس من الممكن أن تكون سعادة الموظف دافعاً لإبداعه وعطائه؟!.
ولماذا لا يسعى الموظف بدوره لراحة زملائه؟!.. فليس الهدف من العمل هو المنافسة الشرسة.. بقدر ما هو التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة.
ولكن.. دون أن يكون ذلك على حساب مصلحة العمل.. فالتوازن بين الراحة والعمل.. هو مفتاح النجاح.
أما في الحياة الاقتصادية.. فما الذي يمنع التجار والصناعيين من التعاون لتحقيق المنفعة العامة؟!.. لماذا لا يتشاركون في تنفيذ المشاريع بشفافية وعدالة؟!.
صحيح أن المكاسب قد تختلف.. لكن المشاركة تجعل الجميع رابحين.. فما أجمل أن تشاركني اليوم مشروعاً.. لأشاركك غداً.. أو يشاركك غيري في مشاريعك.
ولا ننسى الحياة الاجتماعية.. فهي أساس السعادة والتعاسة.. فكيف يمكن أن نكون سعداء في مجتمع تغيب عنه المحبة والإيثار؟!.
إن تعاملنا مع الآخرين.. بحب وإيثار.. لا يعني تنازلاً عن حقوقنا.. بل هو تعبير عن إنسانيتنا.. وإن كان هناك ما يجب أن نتعلمه من تلك القبائل البدائية.. فهو أن سعادتنا الحقيقية.. تأتي من سعادتنا المشتركة.. وأنه لا يمكن لأحدنا أن يكون سعيداً.. بينما الآخرون يعانون.
فليكن "أوبونتو" شعارنا في الحياة.. ليس فقط كلمة نتداولها.. بل مبدأ نعيشه ونطبقه في كل جانب من جوانب حياتنا.