الفرصة الأخيرة: الجهد الأردني ودور الإعلام
د. أشرف الراعي
21-08-2024 12:17 PM
في ظل الظروف الإقليمية الصعبة التي تعيشها المنطقة والتي يمكن أن تخلق مزيداً من الاحتقان، لا بد من التوقف بعين فاحصة ودقيقة للجهود التي بذلها الأردن منذ اليوم الأول للحرب في قطاع غزة، وحتى اليوم؛ فقد كان الأردن وما يزال بلداً يسعى إلى تعزيز الاستقرار والأمن الدوليين، بما يتوافق مع قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وكل ذلك بجهود من جلالة الملك عبد الله الثاني وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، لكنه في الواقع جهد مُغيب في الإعلام الدولي قصداً، كما أن كثيراً من الإعلام المحلي لا يضيء على هذه الجهود كما يجب.
إن الدبلوماسية الأردنية مثلت وما تزال تُمثل إحدى أبرز تجليات السياسة الأردنية في التأثير إيجاباً على الاستقرار الإقليمي والدولي؛ فمنذ تولي جلالته سلطاته الدستورية وحتى اليوم ومن خلال سلسلة من المبادرات والجهود الحثيثة، سعى الأردن دوماً إلى دعم الجهد الدولي لإعادة الاستقرار إلى منطقة الشرق الأوسط، التي كانت وما زالت تشهد صراعات مستمرة وتحديات متعددة، وهي دبلوماسية تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق السلام وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، لكن المقالات والتقارير الإخبارية – في جلها – لا تتناول هذا الجهد ولا تركز عليه، وهو أمر يوجه السياسة الغربية نحو أطراف أخرى فاعلة، رغم دور الأردن وأهميته وثقله السياسي.
لقد كان الأردن وما يزال، أبرز الداعمين لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي؛ حيث دعا ويدعو - في ظل ما تشهده المنطقة من انعكاسات فجة للحرب في قطاع غزة – إلى استئناف مفاوضات السلام برعاية دولية، ولطالما أكد الأردن الرسمي على أهمية حل الدولتين كوسيلة لضمان استقرار المنطقة، ضمن مبادرات سياسية فاعلة تتضمن دعوته إلى وقف الاستيطان الإسرائيلي وتأكيد الحقوق الفلسطينية، بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وبما يسهم في تحقيق سلام شامل وعادل، وهو صوت يرفعه الأردن في المنابر الدولية بكل قوة وشجاعة، فأين وسائل إعلامنا من هذا كله؟!.
كما سعى الأردن وما يزال إلى تعزيز دور الأردن كوسيط فعال في تسوية النزاعات الإقليمية؛ فقد قاد الأردن جهوداً حثيثة في معالجة النزاعات بين دول الجوار، بما في ذلك العراق وسوريا، وقدمت "المملكة" مبادرات دبلوماسية تهدف إلى تحسين العلاقات بين الأطراف المتنازعة وتعزيز الأمن الإقليمي، وذلك من خلال التفاوض وبناء الثقة، إلى جانب التنسيق مع القوى الدولية من خلال تعزيز الشراكات الإقليمية مع القوى الكبرى والمنظمات الدولية، وكل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، ودول الخليج العربي، وغيرها من الدول لتعزيز استراتيجيات الأمن الإقليمي، وتعزيز مبادئ الاستقرار السياسي، الذي ينعكس طبعاً على الواقع المعاش والظروف الاقتصادية في المنطقة برمتها وليس في بلدنا فحسب.
وليس هذا فقط، بل كان الأردن وما يزال مؤيداً دوماً للمبادرات الدولية الرامية إلى تعزيز الاستقرار والسلام، مثل مبادرات الأمم المتحدة ومؤتمرات السلام الدولية؛ حيث يُشارك الأردن بفعالية في المبادرات التي تستهدف معالجة التحديات الإنسانية وتقديم المساعدة للدول المتضررة من النزاعات، وهو ما يعكس التزام المملكة، بالمساهمة في الجهود العالمية لتحقيق الأمن والاستقرار على المدى الطويل.
وهنا لا بد من أن نستذكر كتاب "الفرصة الأخيرة" لجلالة الملك عبدالله الثاني الذي استعرض – حين صدر - مسيرة الصراع العربي الإسرائيلي على مدى 36 عاماً والعقبات التي واجهتها المسيرة السلمية، مع تقديم رؤية لحل هذا الصراع من أجل مصلحتنا ومستقبلنا جميعاً في هذه المنطقة، مع الحفاظ على الرمزية التي تتمتع بها مدينة القدس والاعتراف الدولي بالحق الفلسطيني وهو أمر لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود حكومة إسرائيلية متطرفة يقودها نتنياهو الذي لا يرى في العرب أي أهمية لا بل يتعمد ارتكاب الجرائم ضدهم من دون رادع، وهنا لا بد من استذكار القول الشهير للرئيس الأمريكي بيل كلينتون عنه قائلاً: "نتنياهو قتل عملية السلام".
كل هذه الجهود تتطلب اليوم من وسائل الإعلام الإضاءة عليها؛ فالأردن كان وما يزال ساعياً إلى تعزيز الحوار بين مختلف الأطراف في المنطقة من خلال بناء قنوات تواصل فعالة، وبناء تفاهم مشترك حول القضايا الإقليمية، وهو جهد ما يزال غائباً في وسائل إعلامنا الوطنية التي يتوجب عليها اليوم في ظل هذه اللحظة الدقيقة من حاضر ومستقبل منطقتنا التركيز على دور الأردن الريادي في تعزيز الاستقرار الإقليمي لبناء مستقبل أكثر أمانا واستقرارا.