الصناعة الاردنية للأحزاب السياسية
د. محمد العزة
20-08-2024 03:31 PM
بناء الحياة السياسية الحزبية الأردنية لايختلف في اساساته وبنيته التحتية ونهج مساره مابين الحرفية أو المهنية عنه في بناء باقي القطاعات الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية والشبابية على مدى تاريخ الدولة الأردنية، فكل قطاع من القطاعات خضع لمراحل الصناعة وتطورها وهندستها وبرامجها وخططها واتباع اجندتها وكتابة دليلها التعريفي بعناصر المنشأ الوطني والمستورد ومواكبتها لمظاهر التحديث والحداثة وملائمتها للدولة الأردنية وبيئة كل قطاع الحاضنة له والخاصة به، الأمر الذي جعل الاردن في مقدمة الدول العربية على مستوى التنسيق والموائمة مابين الموروث والحداثة في جميع القطاعات غير السياسية بل حجزنا لأنفسنا مراتب على جداول التصنيف العالمية لتلك القطاعات، لكن بما يخص الصناعة السياسية فهناك ما يستحق ما يقال حولها لها وما عليها في الحرفية أو المهنية عند التأسيس، خاصة وأنها من اوائل النشاطات والهيئات التي وجدت مع بداية عمر الدولة الأردنية من عهد الإمارة إلى إعلان المملكة الأردنية.
والملاحظ أن القائمين عليها وشاركوا في تأسيسها وساهموا في التحضير لخاماتها الأولية سواء من حيث الفكر السياسي والتنظيم البنيوي الهيكلي والأنظمة الداخلية ونماذج الرمزية والشخصية التي كانت تحدد لون وهوية النشاط السياسي وتأثيره على القرار الحزبي، اعتمدت في البدايات من العشرينات ولغاية تسعينات الدولة الأردنية على نظام الجمع مابين الفكر السياسي المستورد وهو الأغلب في صناعة الأحزاب الأردنية وقد يكون السبب هو الظروف والاحداث التي فرضت نفسها على وفي كل مرحلة زمنية ويسجل أنها كانت في قمة الاتقان المهنية و هناك من اعتمد على ماهو وطني فرضته الثقافة الشعبية والموروث المجتمعي وهو اقلية واتبعت الحرفية ، لكن المفارقة أن أحزاب الفكر المستوردة مثل جماعة الإخوان واليسار الشيوعية والقومية البعثية وغير البعثية وحركات التحرر الوطنية فشلت في الوصول للسلطة أو أنها لم تقدم ما يناسب من الايدلوجيا أو العقائدية ورؤية الدولة في ادارتها حيث ما قدمته هو خطابا فلسفيا ثوريا نظريا أو دينيا دعويا جسدا بلا روح و دون تحقيق أي منجز ملموس بل كان الهدف هو السلطة بحد ذاتها وعكس أساس مواد تأسيسها في صناعة واجهة سياسية لها ولنهجها.
الأقلية كانت تمثل مجاميع وهيئات عشائرية لاحقا اصبحت نواة لأحزاب التي اعتمدت على الفردية والافراد فنجحت في إدارة الدولة وإنجاز مرافقها وبنيتها التحتية والتعامل مع ملفات واجهتها أمنية وسياسة واقتصادية إلى زمن ما الا انها ولعدم قدرتها على مواكبة تطورات المئوية الثانية ومفاهيم العولمة و واقعها وسرعة تغيراتها ومتطلبات استيعاب ادواتها تراجع ادائها فغابت سياسيا ولم يغب رجالها فكان الخيار الذهاب للنموذج الثالث والعودة للديمقراطية في هندسة صناعة الأحزاب السياسية عبر إطلاق مرحلة التحديث السياسي الذي نخوض اولى تجاربه على أن يكون موادها و أنظمتها وكوادرها الأولية وطنية و هويتها اردنية قوامها الفكر البرامجي القابل للتطبيق والحياة وتعزيز ثقة المواطن بهذه المرحلة وهذه التجربة التي لم تصل إلى الحد المرغوب به والسبب هو طريقة تشكل وصناعة بعض الأحزاب و ممارساتها وهي تحاول البناء على أشلاء صفحات الماضي أو المواقف و اكل نفسها أو غيرها أو تهذب وتشذب أغصانها بما يتناسب وحجم رموز قياداتها دون استثناء لتكشف أنها تشكلت من مواد صناعية مصنوعة بيد حرفية من مواد أولية قوامها ماء وجبص واصباغ طبيعية بالرغم انها ستكون مستقبل الدولة الأردنية السياسي في إدارة حكوماته وخارطة الطريق لتعزيز منجزاته ودعمه وتحسين مستوى معيشته ومستوى حياته.
ما سأختم به أن لا تراجع عن خيارات الديمقراطية والحياة الحزبية البرلمانية وحكوماتها والرؤية الملكية لها وتطلعات ٱمال الاردنيين فيها ، لكن علينا أردنتها في صناعتها وتشكيل هويتها واختيار لونها وبرامجها وتقبل تعدديتها وتوحيد بوصلتها نحو وطن اردني قوي مستهدف من مستعمرة اسرائيلية، عهدنا له أن يبقى عزيزا كريما آمنا مطمئنا مستقرا مدافعا عن قضيته المركزية الفلسطينية ونردد و نرفع شعار الاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين.