حين تموت الأمم لا تموت فضائلها، اليوم نستذكر المواقف الصادقة والنبيلة التي سجلت خلال مسيرة حافلة بالعطاء رسخها لخدمة الوطن والأمة بكامل أطيافها، اليوم نستذكر أقوال كبارنا، ونستذكر مواقفهم ونستذكر النهج الذي كان كتابا يغني عن آلاف الكتب، ونستذكر القيم النبيلة التي تعلمناها منهم، ونستذكر التاريخ الحافل الذي حقق من خلالها العديد من الإنجازات التي ما كانت يوما إلا لأجل الوطن وأبنائه.
التاريخ لن ينسى من سجله والوطن لن ينكر فضل من أسهم ببنائه، اليوم الوطن بدأ يستذكر أيضا من كان معه ومن كان ضده، رجال قدمت للوطن، وكان لها شرف الوفاء للوطن، لتضع اسمها بأحرف من ذهب بتاريخ الأردن منذ التأسيس.
للوطن فضل علينا جميعاً ولا أحد منا يستطيع أن ينكر فضله علينا، نحن أبناؤه ونحن منه، وعلينا جميعا أن نقدم الغالي والنفيس من أجل بنيته وحمايته من شرور ضعفاء النفوس، التي أرادت أن تجعل من الأردن بلداً غير مستقر أمني.
الوطن غالي لمن عرف معنى الغربة، الاستقرار نعمه لمن افتقدها، من تغرب خارج الوطن أعلم بما أتحدث وأعلم بماذا يعني أن تبقى بلا وطن، غربة الأوطان صعبة إلا أنها ستبقى يتيما للأبد.
اليوم نستذكر باني الوطن المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، ونستذكر إنجازاته التي كانت وطناً بداخل الوطن بحد ذاتها، كان الملك والسفير لكل مواطن أردني، كان الأب والقائد والأخ والصديق الوفي لوطنه وشعبه، كان الابن الأقرب للعشائر والقبائل بأكملها، استذكرتني بعض الكتابات على إحدى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من مقتطفات وأقوال الملك الراحل :-
" كيف أستطيع أن أكون ملكاً صالحاً خيَّرا مثالياً، إذا كنت لا أعرف رعاياي جيداً، لقد كنت من أجل مقابلتهم والاجتماع بهم في عجلة من أمري، لا سيما الرعايا الذين اتخذوا من البادية مسكناً ومقاما، فحياتهم كانت مختلفة تماماً، لقد كنت ملكهم وبالقرب منهم كنت أشعر بأنني لست وحيداً لأنهم يعتبرونني كأنني أحدهم، ما كنت في نظرهم سوى الحسين بلا مراسم ولا تشريفات، ولكن تقاليد بدوية صميمة تقوم على ثلاثة مبادئ هي معاني الشرف والشجاعة والضيافة، فرجل الشرف هو الذي يتمسك بشدة بقوانين الضيافة، فكل ما تملك ملك لضيوفك، وحتى عدوك الذي يبلغ مضارب عشيرتك يغدو من حقه أن يحصل على الماء والخبز " .
لم يكن يوما الحسين إلا القائد الصادق بحكمه لم تغريه مسيرة الحكم على أن تجعل منه استبداديا أو أن يقود حكما دموياً لا قدر الله، إلا أنه كان الأقرب لأبناء شعبه، كان الناصر لمطالبهم والعادل بالحق والعافي عن الناس.
في أثناء مسيرة الحكم كان لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال زيارة إلى رئاسة الوزراء وخلال زيارته تبعته سيدة كبيرة بالسن، وصارت تناشده أن يتحدث معها، وعندما اقتربت منه قالت إن ولدها في السجن وله ثمانية أولاد والعيد على الأبواب، فقال الحسين ما هي التهمة، قالت السيدة قدح مقامات عليا كما يقول القاضي، عندها ابتسم الحسين، وأمر رئيس الوزراء حينها بالإفراج عنه فوراً قائلاً لوالدته: الله يسامحه، وعندما علم أنها محتاجة أمر بصرف مبلغ من المال لمساعدتها ومساعدة ولدها وأبنائه، وعندها حاولت الأم أن تقبل يد الحسين، لكنه أبى بشدة، وقال هذا لا يجوز يا حجة، لكنه صافحها وقال لها كل عام وأنتِ بخير.
الحسين لم يكن يوما إلا قصة وطن،قصة حققت للوطن النهضة الحقيقة، والذي ابتدأت منذ عقود طويلة ليكملها من بعده جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه. بذات الحنكة والحكمة.
رحم الله الملك الباني المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال طيب الله ثراه، وحفظ الله الأردن وطنا عزيزا منيعاً تحت ظل قائدنا الهاشمي جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم وسمو ولي عهده الأمين الحسين بن عبدالله حفظهم الله ورعاهم ..