الصراعات الإقليمية وسيادة دول الجوار
د.فلاح سمّور الجبور
17-08-2024 11:13 PM
يعد مبدأ السيادة من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي العام، بل يعد أحد الأسس الرئيسة التي يقوم عليها النظام الدولي المعاصر حيث تعتبر السيادة المعيار الحقيقي للدولة. اذا هو حق مُصان وعالج القانون الدولي اصطلاح سيادة الدولة بشديد الحرص والتي تمارسها الدولة بشكل مانع على إقليمها وهو ما يعني استبعاد أي تدخل خارجي من جانب الدول الأخرى، ورغم شمولية هذا الاختصاص الإقليمي(السيادة الاقليمية) إلا أنه يكون مقيدًا في بعض النواحي مثل حرية استخدام المياه الاقليمية للنقل أو المجال الجوي والبري من قبل دول أخرى لأغراض سلمية، وكذلك المعاهدات بين الدول الأخرى لإنشاء قواعد عسكرية أو تأجير الدولة لجزء من إقليمها. وشاع تداول مصطلح السيادة في الآونة الأخيرة محليًا نتيجة اختراق إيران للمجال الجوي الأردني في مهاجمة الكيان الصهيوني واحتمالية إعادة الكرة مرة أخرى.
الشرق الأوسط إقليم شديد الاضطراب وجاذب للصراعات وأحد أهم هذه الصراعات الصراع الإيراني الصهيوني وما يميزه أنه صراع لا يتحكم بآثاره الطرفين المتصارعين فقط ، لذا يحاول كل منهما ترشيد الصراع بمعنى عدم ايقاع خسائر كبيرة تؤدي الى اندلاع حرب كبرى، حتما ستفوق قدرة الدولتين على التحكم في مسار الصراع، وفقدان القدرة على التوقف قبل الوصول لحافة الهاوية، وهنا يمكن القول أن الصراع بينهما هو صراع تخادم لا صراع وجود ويمكن أن تصف المقولة الشهيرة حالة التنافس بينهما بشكل دقيق وإلى حد بعيد؛ " إذا كان خصمك يغرق والماء قد بلغ خصره فابذل قصارى جهدك لإنقاذه، أما إن بلغ ذقنه فضع حذاءك على رأسه وأغرقه" وعليه فكلا الطرفين قد بلغ الماء خاصرته، فالكيان المحتل قد فقد صوابه نتيجة لهجمته البربرية على قطاع غزة وتدميره للحجر والشجر وقتله للبشر دون تمييز وانتهاكه كل الأعراف والمواثيق الدولية دون تحقيق نصر ودون تحقيق أهدافه المعلنة ، وما ترتب على ذلك من تعريته اخلاقيًا أمام المجتمع الدولي والذي خرج بالملايين وفي كافة الأقطار حتى في أكثرها دعمًا له، محتجا على جرائمه ضد الفلسطينيين، وبالمقابل يعاني النظام الإيراني من تردي الأوضاع الداخلية اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا نتيجة لعزلته الدولية بسبب العقوبات المفروضة عليها.
نستخلص من ذلك أن هذا الصراع هو صراعً ممتد تحكمه مصالح الطرفين ولا علاقة له بخدمة أي دولة عربية أو قضية من قضايا العرب القومية. إن الأردن وهو يخوض معركة دبلوماسية شرسة دفاعًا عن القضية الفلسطينية وضد حرب غزة مع العالم الغربي المنحاز بالكلية لجانب الكيان الصهيوني، لن يغفل عن ارتدادات هذا الصراع على واقعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، إن هذا الواقع يفرض على الأردن حالة من الاشتباك الدائم مع هذا الصراع فرضه موقع الأردن الجيوسياسي وكذلك الارتباط مع القضية الفلسطينية بكونها قضيته الأولى، ولا بد له من موقف حازم من هذا الصراع في أجوائه، والصراع لن يتوقف لأن مصالح الطرفين لن تنتهي، ولذا يصبح الأمن الوطني الأردني الذي يتهدده اشتباك الطرفين أولوية مطلقة والدفاع عنه بالضرورة واجبًا مهما كانت قيمة العناوين التي يتحدث بها ويسوقها الآخرون من طرفي الصراع ومؤيدوه، ولا يجب أن يبقى الصوت الشعبي خافتًا في مواجهة هذا التهديد.