لا يغيب هدف جذب الاستثمار عن أي حوار أو تحليل اقتصادي في الأردن.
فإذا تحدثنا عن الحلول ننادي بجذب الاستثمار، وإذا ناقشنا التحديات نعدد عوامل طرد الاستثمار.
وبعد سنوات من إنشاء وإلغاء وإعادة هيكلة هيئة تشجيع الاستثمار، انفردت الحكومة الحالية بتأسيس وزارة الاستثمار، ليصبح الملف حاضرا وممثلا بشكل دائم على طاولة مجلس الوزراء، وعلى أعلى المستويات.
اليوم، وبعد كل هذه الجهود، لا زالت أرقام الاستثمارات الأجنبية تتراجع، ولا زلنا مستمرين بالتنظير والتخطيط، رغم أن جزءا رئيسيا من عملية تحديد الأهداف لا يزال غائبا.
فنحن حتى الآن لم نقرر ماذا نريد تحديدا من الطيف الواسع الذي يغطيه مصطلح "الاستثمار".
فهناك مثلا الاستثمار المباشر مقابل الاستثمار في الأسهم والسندات الأردنية (استثمار المحافظ المالية)، وهناك الاستثمار الجديد من الصفر مقابل استثمار الاستحواذ على الأصول والشركات القائمة، وهناك الاستثمار للتصدير أو تغطية احتياجات السوق المحلي، وكذلك استثمارات الشراكة عبر تنفيذ المشاريع الحكومية أو اتفاقيات شراء الطاقة والسلع والخدمات لمدد زمنية مختلفة.
هذه جميعها أنواع من الاستثمارات الأجنبية بمميزات وسلبيات مختلفة، وفرص وتحديات متباينة. فما الذي نريده تحديدا في الأردن؟ وما هو ترتيب الأولويات أردنيا بالنسبة للأنواع المختلفة من الاستثمارات؟
الإجابة على هذه التساؤلات في غاية الأهمية. أولا لكي نتمكن من تقييم مستوى الإنجاز. وثانيا لكي نوجه الموارد المحدودة المتاحة نحو تحقيق الهدف المطلوب بأعلى مستوى ممكن من الفعالية. وثالثا لكي تكون أهدافنا تفصيلية وقابلة للترجمة إلى مؤشرات اداء محددة وواضحة.
فإذا كان الهدف استثمارات السوق المالي تختلف الجهات المستهدفة والإصلاحات المطلوبة مقارنة باستثمارات الاستحواذ أو استثمارات الشراكة مع الحكومة أو الاستثمارات التصديرية.
لا يعني ذلك إهمال أي نوع من هذه الاستثمارات، خصوصا وأنها تتقاطع معا بنسب متفاوتة. ولكن الموارد المحدودة تملي علينا تعريف أولوياتنا بشكل أكثر دقة مما هو الحال عليه الآن.
الانطباع العام يوحي بأن حاجتنا الأهم في الأردن تتمحور حول الاستثمارات التصديرية على مستوى السلع (صناعة) أو الخدمات (سياحة / تكنولوجيا معلومات / استشارات).
فهي تحقق جملة ما نريد مرة واحدة. وظائف جديدة، ورأسمال أجنبي جديد، وعوائد بالعملة الأجنبية دون مزاحمة القطاع الخاص الوطني على سوقنا الصغير نسبيا.
بالمقابل، يرى البعض استثمارات الاستحواذ الأقل مردودا على الاقتصاد، كونها الأضعف خلقا للوظائف الجديدة، إضافة إلى ما قد يصاحبها من خروج الأرباح أو حتى كامل المشروع المستحوذ عليه من المملكة.
أيا يكن قرارنا بشأن أولويات الاستثمار، فإن المسألة لا تتوقف فقط على ما نريد، إنما أيضا على ميزتنا التنافسية في مختلف القطاعات. فكلف الطاقة المرتفعة ربما تعيق الاستثمار في الصناعات الثقيلة، بينما تساعدنا وفرة العمالة الاقتصادية في قطاع تكنولوجيا المعلومات على منافسة دول المنطقة.
نحتاج أهدافا أكثر تحديدا لجذب الاستثمار كخطوة أولى نحو تجاوز الركود المزمن في ملف الاستثمار. أهداف تتضمن إلى جانب الاستثمارات المستهدفة خططا متكاملة لتعزيز تنافسية المملكة في القطاعات ذات العلاقة.