الوطن بحاجة الى حلول لا شعارات انتخابية مفلسة
17-08-2024 09:03 PM
مع اقتراب كل موسم انتخابي، يتزايد التنافس بين المرشحين والأحزاب السياسية في طرح الشعارات الرنانة والوعود الانتخابية التي تستهدف استقطاب الناخبين وكسب أصواتهم، من خلال استخدام الشعارات التي تتغنى بحب الوطن والدفاع عن مصالحه، إذ يجد المرشحون في هذه الشعارات وسيلة سهلة لاستمالة الناخبين، فيستخدمونها كأداة لجذب الأصوات وتحقيق مكاسب سياسية، وعلى الرغم من أن الانتخابات تُعدّ من أهم أدوات الديمقراطية، إلا أن هذه الشعارات في كثير من الأحيان تظل حبراً على ورق، بعيدة عن واقع التنفيذ والتطبيق، وقد يعد المرشحون بالكثير في حملاتهم الانتخابية، لكن عندما يصلون إلى المجلس لا يكون لديهم الإرادة أو القدرة على تنفيذ تلك الوعود، وهنا يظهر الفرق بين الشعار والفعل؛ فالوطنية الحقيقية تتجلى في الأفعال التي تُبنى على أسس ثابتة من القيم والمبادئ، وليس في الكلمات الرنانة التي تُقال فقط لكسب التأييد. الوطنية ليست كلمات تُقال في موسم الانتخابات، ولا هي شعارات تُرفع لتحقيق مكاسب وقتية، إنها إحساس عميق بالانتماء والولاء للوطن، يظهر في السلوك اليومي للفرد وفي الالتزام تجاه المجتمع، الوطنية هي أن تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن تعمل بجد وإخلاص من أجل تقدمه وازدهاره، بغض النظر عن المصالح الشخصية أو المكاسب الانتخابية.
ومن السهل على المرشحين إطلاق شعارات انتخابية جذابة تعكس الطموحات الكبرى للأوطان، وكثيرًا ما نسمع عن وعود بتحسين الأوضاع الاقتصادية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، لكن بعد انتهاء الانتخابات ووصول بعض هؤلاء المرشحين إلى مجلس النواب، نجد أن العديد من هذه الوعود تذهب أدراج الرياح، وتظل مجرد كلمات لا تلامس حياة المواطنين بشكل فعلي.
إن المشاكل والتحديات التي تواجه الوطن لا يمكن معالجتها بالشعارات الانتخابية الفارغة، فالتحديات الاقتصادية، مثلاً، تتطلب سياسات مدروسة واستراتيجيات واضحة لتحفيز النمو الاقتصادي، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وجذب الاستثمارات، وهذا يتطلب جهداً وتعاوناً بين مختلف القطاعات وليس مجرد وعود في فترة الانتخابات. كما أن تحسين النظام التعليمي لا يتم بترديد شعارات عن بناء مدارس جديدة أو تحسين المناهج فقط، بل يحتاج إلى تطوير حقيقي وشامل يتضمن تأهيل المعلمين، وتوفير بنية تحتية تعليمية حديثة، وتعزيز البحث العلمي.
إن تكرار الشعارات الانتخابية الفارغة دون تنفيذ فعلي يؤدي إلى تآكل ثقة المواطن في العملية السياسية برمتها. المواطنون بحاجة إلى رؤية نتائج ملموسة على أرض الواقع، وليس مجرد وعود يتكرر سماعها في كل دورة انتخابية. المصداقية السياسية تُبنى على الإنجاز الفعلي وتحقيق التغيير الإيجابي في حياة الناس. ولا يمكن أن نغفل دور الناخبين في محاسبة المترشحين بعد الانتخابات، على المواطنين أن يكونوا على دراية تامة بقدرات المرشحين وبرامجهم الانتخابية، وأن يطالبوا بالوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم، الانتخاب لا يجب أن يكون بناءً على الشعارات فقط، بل على أساس دراسة موضوعية للبرامج الانتخابية ومراقبة مدى تحقيقها بعد الفوز.
الوطن بحاجة إلى حلول حقيقية وجادة لمواجهة التحديات، وليس إلى شعارات انتخابية تذروها الرياح بعد انتهاء الانتخابات، الحلول تأتي من العمل الجاد والتخطيط المدروس، وليس من خلال الوعود الجوفاء، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع، من المرشحين الذين يجب أن يكونوا صادقين في وعودهم، إلى الناخبين الذين يجب أن يختاروا بحكمة ويحاسبوا من انتخبوهم على أفعالهم، وليس على مجرد الأقوال.
في الختام، رسالتي الى الاحزاب ومرشحيهم ان حب الوطن أفعال لا أقوال، يبقى الوطن محفوراً في القلب والروح، ولا يمكن أن تتغير مكانته أبداً. الواجب تجاهه يتطلب من كل فرد تقديم أقصى ما يستطيع، والاستعداد للدفاع عنه، والمساهمة في بنائه من خلال العلم والفكر والثقافة والأخلاق. فبالهمة والعزيمة تُبنى الأمم.
هذا المقال تعقيبا على تصريح رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب المهندس موسى المعايطة عندما صرح: "لم أشاهد حتى الآن برنامجًا وطنيًا، وما هو مطروح شعارات عامة، ويجب على كل المرشحين أن يكون لديهم برنامج انتخابي." ان حب الوطن ليس مجرد شعار يُرفع في المواسم الانتخابية، بل هو سلوك يُمارس في كل لحظة، إنه التزام حقيقي من كل فرد، سواء كان مواطناً عادياً أو مسؤولاً سياسياً، ببناء الوطن وتحقيق رفاهيته، الكلمات وحدها لا تكفي، فالوطن بحاجة إلى أفعال تعكس الحب الحقيقي والانتماء الصادق، إننا بحاجة إلى تربية أجيال تُدرك أن حب الوطن يتجلى في العطاء والعمل، وليس في الشعارات التي تُرفع لمرة واحدة كل بضع سنوات.
في حبي للأردن، أجد نفسي أسبق من نزار قباني في قصيدته عن الوطن:
وطني أحبك لا بديل
فليظهر الأوفياء والأحرار، لا للخائنين والطامعين..
وطني أحبك لا بديل
فالأوفياء لقلبك، وغيرهم للجيب يميل..