جدري القرود "تحديات الاستجابة الوبائية في مواجهة وباء جديد"
الدكتور مهند عبد الفتاح النسور
17-08-2024 03:50 PM
أعلنت منظمة الصحة العالمية مؤخرًا لفيروس جدري القرود كحالة طوارئ صحية عامة على الصعيد العالمي، ففي خلال الأسابيع الماضية، شهدنا تزايدًا ملحوظًا في عدد حالات الإصابة بجدري القرود في أفريقيا، حيث أبلغت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عن أكثر من 17 ألف حالة مشتبه بها حتى الآن هذا العام، وان الدول الأكثر تضررًا تشمل جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث بدأ الوباء، وامتدت إلى دول افريقية مجاورة مثل بوروندي، كينيا، رواندا، وأوغندا، و تشير التقارير إلى أن عدد الوفيات بلغ 517 حالة، مما يعكس خطورة هذا التفشي في هذه المناطق، ومن المثير للقلق أن هذا التفشي يأتي مع ظهور سلالة جديدة تعرف باسم (آي بي)، والتي تبدو أكثر قدرة على الانتشار، وان هذه السلالة تختلف عن السلالات التي عرفناها سابقًا، مما يضيف تعقيدًا جديداً إلى عملية الاستجابة والاحتواء.
ومن الناحية الوبائية، يواجه المجتمع الدولي تحديات كبيرة في مواجهة هذا التفشي، ورغم أن الاتحاد الأوروبي أعلن عن إرسال أكثر من 175 ألف جرعة لقاح إلى المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، إلا أن هذه الكمية لن تكون كافية لتغطية الاحتياجات العاجلة، اذ ان التقديرات تشير إلى أن توفير اللقاحات بشكل واسع قد يستغرق أشهرًا، مما يزيد من خطر انتشار الفيروس إلى مناطق جديدة، وكذلك شح الموارد المالية، وتؤكد هذه التطورات الحاجة الماسة لتعزيز أنظمة المراقبة الصحية والتشخيص والرصد في الدول المتضررة، وضمان الإبلاغ السريع عن الحالات المشتبه بها، وان عدم القدرة على اكتشاف الحالات مبكرًا والسيطرة عليها قد يؤدي إلى تفشيات أكبر وأوسع نطاقًا.
وفي مثل هذه الأوقات الحرجة، يلعب أخصائيو الوبائيات الميدانية دورًا حيويًا في جهود الاستجابة، فهم المكلفون بإجراء التحقيقات الميدانية لتحديد مصادر العدوى وطرق انتقال الفيروس، وبناءً على البيانات التي يجمعونها، يمكن تقديم توصيات فعالة للسيطرة على انتشار الفيروس، وبالإضافة إلى ذلك، يسهمون ايضا في تدريب الكوادر الصحية المحلية على كيفية التعامل مع الحالات المشتبه بها وتطبيق إجراءات الوقاية الضرورية، كما أن توعية المجتمعات المحلية بأهمية التبليغ المبكر والتزام إجراءات الوقاية هي جزء أساسي من التصدي للوباء، ففي المجتمعات ذات الموارد المحدودة، قد يكون هذا الدور حاسمًا في الحد من انتشار الفيروس وحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر، ومن المهم تقديم تحديثات دورية حول الوضع الوبائي لجدري القرود.
وفي الأسبوع الماضي فقط، شهدنا زيادة بنسبة 160% في عدد الحالات المبلغ عنها مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وهذا يتطلب من الدول و المعنين أن نبقى يقظين وأن نتابع البيانات بشكل يومي لضمان استجابة فعالة وفي الوقت المناسب، ومع استمرار الانتشار، من الضروري أن نستمر في تقديم الدعم الفني واللوجستي للدول المتضررة، مع التركيز على تعزيز أنظمة المراقبة الصحية والرصد وتحسين الوصول إلى اللقاحات، وفي حال عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة، فإننا نخاطر بمواجهة تفشيات جديدة قد تؤدي إلى عواقب صحية واجتماعية واقتصادية خطيرة، نحن الآن حقيقة أمام لحظة حاسمة في مواجهة تفشي جدري القرود، و يجب أن نبقى ملتزمين بتقديم أفضل الاستراتيجيات الوبائية الممكنة لحماية الصحة العامة، وان الاستجابة الفعالة تتطلب التنسيق الدولي، وتضافر الجهود لضمان أن هذا التفشي لا يتحول إلى أزمة عالمية أكبر، و يبقى الأمل معقودًا على قدرتنا على استخدام العلم والخبرة لمواجهة هذا التحدي الجديد بنجاح.