الدبلوماسية الرشيقة .. القائم بأعمال السفير الإماراتي أنموذجاً
صالح سليم الحموري
16-08-2024 12:04 PM
في عالم الدبلوماسية الحديثة، لم يعد دور السفير مقتصرًا على تمثيل بلاده في المحافل الدولية أو التحدث باسم حكومته. في عصرنا المتصل والمعقد، يُطلب من السفير أن يكون حلقة وصل حيوية تسعى لبناء جسور التواصل وتعزيز العلاقات بين الدول على مختلف الأصعدة. وقد تجلت هذه الفلسفة بوضوح في تجربة القائم بأعمال السفير الإماراتي في الأردن، "الأستاذ حمد عبدالله المطروشي."
قبل أيام قليلة، حظيت بفرصة حضور عشاء جمع نخبة من الشخصيات المرموقة في منزل السفير سامي المفلح، وبحضور دولة فيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان الأردني، ورئيس مجلس الأعمال الأردني في دبي، الدكتور أحمد ذوقان الهنداوي. دار النقاش في هذا اللقاء حول مجموعة من القضايا الهامة، إلا أن ما لفت انتباهي بشكل خاص كان حديث السفير الإماراتي، الذي تمحور حول بناء الجسور وتعزيز العلاقات بين الإمارات والأردن.
السفير حمد المطروشي لم يكتفِ بأداء المهام التقليدية التي يقوم بها أي سفير عادةً، بل تجاوز ذلك ليأخذ على عاتقه مسؤولية "تطوير وتنمية العلاقات الاقتصادية والسياحية بين الإمارات والأردن". من خلال لقاءاته المستمرة مع المسؤولين الأردنيين، كان هدفه يتجاوز تعزيز العلاقات الدبلوماسية المعتادة، ليقدم حلولاً عملية تساهم في جذب المزيد من الاستثمارات والسياح من الإمارات إلى الأردن. حتى أن أحد الحضور تدخل مازحًا قائلاً: "يا سعادة السفير، هل أنت سفير الإمارات أم الأردن؟ فتصرفاتك تعكس حرصًا كبيرًا على الأردن." فرد المطروشي قائلاً: "الأردن والإمارات سيان، ونجاح "الأردن هو نجاح للإمارات".
لقد عمل السفير المطروشي بجد على ربط المسؤولين الأردنيين مع أصحاب القرار في الإمارات، وسعى لبناء جسور تواصل قوية مع الشركات الخاصة، بما في ذلك شركات الطيران، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والسياحي بين البلدين.
ما يميز السفير الإماراتي هو خروجه عن "الإطار الروتيني للأعمال الدبلوماسية التقليدية". لم يكتفِ بتمثيل بلده فقط، بل كان له دور فعّال في تحفيز "عجلة التنمية الاقتصادية والسياحية بين الإمارات والأردن". هذا النهج غير التقليدي يعكس رؤية دولة الإمارات "الرشيقة والمرنة" في سياساتها الداخلية والخارجية، حيث "تستشرف وتبتكر" في تقديم خدماتها ليس فقط داخل الدولة، بل أيضًا من خلال سفاراتها المنتشرة حول العالم.
ما يقوم به السفير المطروشي يذكرني بما قرأته في كتاب السفير الأردني السابق الدكتور مازن العرموطي "محطات بألوان الطيف"، الذي شدد على أهمية أن يتجاوز السفير المهام الروتينية ليؤدي دورًا أكبر في تعزيز العلاقات الثنائية. وفقًا لرؤية الدكتور العرموطي، ينبغي على السفير أن يتعرف بعمق على البلد الذي يعمل فيه، وأن يسعى لتوطيد علاقاته مع قادته وأصحاب القرار فيه. بالإضافة إلى ذلك، يتعين على السفير أن يعمل على "تشبيك العلاقات بين البلدين" بطرق مبتكرة تساهم في تعزيز التعاون والشراكة على كافة المستويات.
السفير المطروشي يجسد الوصية الثانية من "الوصايا العشر" التي كتبها الشيخ محمد بن راشد، والتي تنص على "لا تعبد الكرسي." هذه الوصية تركز على أهمية العمل الجاد والمخلص لمصلحة البلد، بعيدًا عن التمسك بالمناصب أو السلطة من أجل الذات. السفير المطروشي، من خلال جهوده المستمرة لتعزيز العلاقات بين الإمارات والأردن، يقدم مثالاً حيًا على تطبيق هذه الوصية، حيث يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، ويعمل بتفانٍ لتحقيق الأهداف الوطنية.
"وكما يقول سعادة النائب السابق الدكتور رائد قاقيش "ان التلازم بين الأردن ودولة الإمارات الشقيقة ليس مجرد تحالف عابر، بل هو تعبير حيّ عن وحدة القلوب والعقول التي تسعى دائمًا لتحقيق مصلحة الشعبين الشقيقين. هذه العلاقة ليست فقط قائمة على المصالح المشتركة، بل تستند إلى أسس متينة من المحبة والأخوة الصادقة. فالأردن والإمارات، كما يُقال، جسدان بروح واحدة، يتحدان في السراء والضراء، ويعملان معًا لتحقيق مستقبل مشرق للمنطقة بأسرها.
في ظل هذه الشراكة الراسخة، نواجه التحديات بروح الفريق الواحد، وبتآلف القلوب، فليس هناك ما هو أقوى من هذه الوحدة الصادقة. أدام الله هذه الأخوة النبيلة بيننا، وبارك في كل الجهود المخلصة التي تُبذل لخدمة أوطاننا."
في الختام، يتضح لنا أن دور السفير الحديث يتجاوز بكثير مجرد التمثيل الرسمي لبلده. "إنه جسر حيوي يعبر من خلاله التعاون والتنمية والابتكار بين الدول". السفير حمد المطروشي في الأردن هو "نموذج للسفير غير التقليدي" الذي يساهم بفعالية في تعزيز العلاقات بين الدول، ويعمل على تحويل "الأفكار إلى أفعال ملموسة" تحقق مصالح بلاده والبلد الذي يعمل فيه. هذه هي الدبلوماسية في أبهى صورها؛ دبلوماسية "رشيقة" ومستشرفة للمستقبل لا تعرف الحدود، وتتخطى الروتين "صفر بيروقراطية" لتبني جسورًا من التعاون والشراكة الحقيقية.
خبير التدريب والتطوير كلية محمد بن راشد للادارة الحكومية