هل من المبكر حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟ من دون شك، فرص الرئيس بايدن بإعادة انتخابه كانت شبه معدومة، ولا شك في أنه توصل في النهاية إلى هذا الاستنتاج، ما دفعه للانسحاب من السباق الرئاسي. وإذا كان من المبكر الحكم على فرص المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فمن الواضح أنها باتت أفضل بكثير من فرص بايدن. لننظر إلى الأسباب التي أدت اليوم إلى تقليص الفجوة الكبيرة في استطلاعات الرأي، حتى باتت بعض هذه الاستطلاعات تعطي أفضلية طفيفة لكامالا هاريس على ترامب.
يبدو من الواضح أن سن هاريس بحد ذاته يعطيها دفعة أولية، إذ أن الكثير من الأمريكيين من الحزب الديمقراطي، أو من خارجه، كان ينتابهم قلق حقيقي من قدرة بايدن على إدارة البلاد بكفاءة، بعد أن بدت علامات الشيخوخة واضحة عليه، وبغض النظر عن أدائه في الأربع سنوات الماضية، وبعد ان كان عامل السن يعمل ضد بايدن، انعكست الآية اليوم وأصبح سن ترامب هو أحد العوامل السلبية ضده.
ستنحسر المعركة الانتخابية على الأرجح في ست ولايات، باعتبار أن معظم، إن لم يكن كل الولايات الأخرى، قد حسمت موقفها من أحد المرشحين.
هذه الولايات الست هي ثلاث في ما يدعى بمنطقة البحيرات الكبرى الواقعة في «الغرب الأوسط»، وهي بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وثلاث ولايات في الجنوب الشرقي والغربي، أو ما يدعى «بحزام الشمس» وهي، جورجيا وأريزونا ونيفادا. هذه الولايات كافة ربحها بايدن عام 2020 بفارق ضئيل، ما أهله للفوز على ترامب، بينما ربح ترامب خمسا من هذه الولايات باستثناء نيفادا عام 2016 ما جعله يظفر بالرئاسة. إن نظرة فاحصة لهذه الولايات الست تؤدي إلى الاستنتاج أن فرص هاريس في ربح ولايات الجنوب ستكون أصعب من ولايات الشمال، فالجنوب يبدو اليوم جمهوري التوجه في جله، حتى مع وجود ولايات متأرجحة كأريزونا مثلا. حتى الرئيس السابق باراك أوباما لم يستطع النجاح في جورجيا وأريزونا، على الرغم من شعبيته الكبيرة، خاصة لدى الأمريكيين السود في جورجيا. لذا فإن طريق هاريس إلى الرئاسة سيحدده على الأغلب الفوز في ولايات الغرب الأوسط الثلاث، التي تصوت تقليديا، وإن لم يكن دائما للحزب الديمقراطي، والتي تحتوي على 44 صوتا انتخابيا ستحتاجها هاريس جميعا للفوز على الحافة على ترامب.
من المبكر الحكم على نتيجة الانتخابات الأمريكية، ولكن أداء هاريس حتى الآن يظهر أنها على الطريق الصحيح، لاتخاذها مواقف متباينة عن رئيسها فيما يتعلق بغزة، وعدم حضورها خطاب نتنياهو في الكونغرس
هذا يفسر تركيز هاريس على هذه الولايات واختيارها تيم والز نائبا لها من مينيسوتا، إحدى ولايات الغرب الأوسط، وإن لم تكن من الولايات الثلاث المتأرجحة، ولكن مرشحا من منطقة الغرب الأوسط كوالز، الذي يحمل قيم وعادات تلك المنطقة، سيساعد هاريس في الظفر بهذه الولايات. كان العديد من التوقعات يشير إلى أنها ستختار حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، حتى يساعدها في حسم نتيجة هذه الولاية لصالحها، ولكن سجل شابيرو (يهودي الديانة) في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية سيئ، فقد تطوع وهو شاب للانخراط في الجيش الإسرائيلي، ووقف بقوة ضد الاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب على غزة. لا يعني ذلك أن هذا هو السبب الذي دفعها لعدم اختياره، ولكن الأغلب أن مثل هذا الاختيار كان سيفقدها فرصة الفوز في ميشغان، حيث تقطن جالية عربية وازنة وقفت ضد بايدن بسبب موقفه المؤيد لإسرائيل في الحرب على غزة. وقد بدأت حركة «غير ملتزم» التي شكلها العرب الأمريكيون في ميشغان ضد بايدن بإرسال إشارات إيجابية نحو هاريس بعد تفضيلها لوالز على شابيرو، وبعد موقفها المتباين مع بايدن، في ما يتعلق بغزة، إضافة إلى موقفها المتعاطف نوعا ما مع الاحتجاجات الطلابية ضد الحرب.
هناك شعور لدى العديد في المنطقة العربية ان «الخل أخو الخردل»، وأن ليس هناك فرق بين هاريس وترامب، فكلاهما مؤيد لإسرائيل، اختلف تماما مع هذا الموقف، صحيح أن السياسة الأمريكية لن تتغير جذريا تجاه القضية الفلسطينية في وقت قريب، ولكن صحيح أيضا أن هناك تحولا نوعيا في الحزب الديمقراطي لدى جناح الشباب، بدأ يقترب تدريجيا نحو الاعتراف الجدي بالحقوق المشروعة للفلسطينيين، وأن هذا التحول يجب الاستثمار به وتشجيعه وصولا إلى مرحلة قد ينتج عنها تغيير جذري في موقف الحزب الديمقراطي نحو القضية الفلسطينية. كما أنه صحيح أن موقف ترامب معروف تجاه تأييده الأعمى لإسرائيل واحتقاره للفلسطينيين ونيته تنفيذ ما يدعوه «بصفقة القرن» التي ستؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وربما على حساب الأردن.
من المبكر الحكم على نتيجة الانتخابات الأمريكية، ولكن أداء هاريس حتى الآن يظهر أنها على الطريق الصحيح. كما أنها أظهرت قدرة خطابية لم تعرف بها سابقا، اضافة إلى استعدادها لاتخاذ مواقف متباينة عن رئيسها فيما يتعلق بغزة، حتى إنها لم تحضر خطاب نتنياهو في الكونغرس وبحجة واهية. كما أن النقاش الدائر في الولايات المتحدة، بما في ذلك تصريح ترامب أنها لم تختر شابيرو بسبب ديانته اليهودية، وبغض النظر عن صحته، يظهر أن الصوت العربي الأمريكي بدأ يحسب حسابه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وللمرة الاولى.
*وزير الخارجية الأردني الأسبق
القدس العربي